التفاسير

< >
عرض

كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ فِي ٱلْحُطَمَةِ
٤
وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْحُطَمَةُ
٥
نَارُ ٱللَّهِ ٱلْمُوقَدَةُ
٦
ٱلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى ٱلأَفْئِدَةِ
٧
إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ
٨
فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ
٩
-الهمزة

اللباب في علوم الكتاب

قوله: { كَلاَّ }، رد لما توهمه الكفار، أي: لا يخلد ولا يبقى له مال.
وقيل: حقاً لينبذن.
قوله: { لَيُنبَذَنَّ }، جواب قسم مقدر، وقرأ علي والحسن - رضي الله عنهما - بخلاف عنه، ومحمد بن كعب، ونصر بن عاصم، وحميد، وابن محيصن، وأبو عمرو في رواية: "لَيُنْبذَنَّ" بألف التثنية، لينبذان أي: هو وماله.
وعن الحسن أيضاً: "ليُنبذُنَّ" بضم الذال، وهو مسند لضمير الجماعة، أي: ليطرحن الهمزة، وأنصاره واللمزة، والمال، وجامعه معاً.
وقرأ الحسن أيضاً: "ليُنبذَنَّهُ" على معنى لينبذن ماله.
وعنه أيضاً: بالنون "لَنَنْبُذَنَّهُ" على إخبار الله - تعالى - عن نفسه، وأنه ينبذ صاحب المال. { فِي ٱلْحُطَمَةِ } وهي نار الله، سميت بذلك؛ لأنها تكسر كل ما يلقى فيها وتحطمه، وتهشمه، والحطمة: الكثير الحطم، يقال: رجل حطمة: أي أكول، وحطمته: كسرته، قال: [الرجز]

5304-................................. قَدْ لفَّهَا اللَّيْلُ بِسَوَّاقٍ حُطَمْ

وقال آخر: [الرجز]

5305- إنَّا حَطَمْنَا بالقَضيـبِ مُصْعبَـا يَوْمَ كَسرْنَا أنفهُ ليَغْضَبَــا

حكى الماوردي عن الكلبي: ان الحطمة، هي الطبقة السادسة من طبقات جهنم، وحكي القشيريُّ عنه: "الحُطمةُ" الدرجة الثانية من درج النار.
وقال الضحاك: وهي الدرك الرابع.
وقال ابن زيدٍ: اسم من أسماء جهنم.
قوله: { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْحُطَمَةُ }، على التعظيم لشأنها، والتفخيم لأمرها: ثم فسرها ما هي فقال: { نَارُ ٱللَّهِ ٱلْمُوقَدَةُ }، أي: هي نار الله التي أوقد عليها ألف عام، حتى احمرت، وألف عام حتى اسودّت، وألف عام حتى ابيضّت.
قوله: { ٱلَّتِي تَطَّلِعُ } يجوز أن تكون تابعة لـ "نارُ اللهِ"، وأن تكون مقطوعة.
قال محمد بن كعب: تأكل النار جميع ما في أجسادهم، حتى إذا بلغت إلى الفؤاد، خلقوا خلقاً جديداً، فرجعت تأكلهم، وكذلك روى خالد بن أبي عمران عن النبي صلى الله عليه وسلم:
"إنَّ النار تأكل أهلها، حتى إذا طلعت على أفئدتهم انتهت، ثُمَّ إذا صدروا تعود، فلذلك قوله تعالى: { نَارُ ٱللَّهِ ٱلْمُوقَدَةُ ٱلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى ٱلأَفْئِدَةِ }" . وخص الأفئدة؛ لأن الألم إذا صار إلى الفؤاد مات صاحبه، أي: أنه في حال من يموت، وهم لا يموتون، كما قال تعالى: { { لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَىٰ } [طه: 74] فهم إذاً أحياءٌ، في معنى الأموات.
وقيل: معنى { تَطَّلِعُ عَلَى ٱلأَفْئِدَةِ } أي: تعلم مقدار ما يستحقه كل واحد منهم من العذاب، وكذلك بما استبقاه الله - تعالى - من الأمارة الدَّالة عليه، ويقال: اطَّلَع فلان على كذا: أي: علمه، [وقد قال تعالى:
{ { تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّىٰ } [المعارج: 17].
وقال تعالى:
{ { إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً } [الفرقان: 12].
قوله تعالى: { إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ }. أي: مطبقة عليهم، قاله الحسن والضحاك وقد تقدم في سورة البلد.
وقيل: مغلقة بلغة قريش، يقولون: أصدتُ الباب: إذا أغلقته. قاله مجاهد.
ومنه قول عبيد الله بن قيس الرقيات: [الخفيف]

5306- إنَِّ في القصْرِ لوْ دخلْنَا غَزالاً مُصْفقاً مُوصداً عليْهِ الحِجَابُ

قوله: { عَمَدٍ }. قرأ الأخوان وأبو بكر: بضمتين، جمع عمود، نحو رسول ورسل.
وقيل: جمع عماد، نحو: كتاب وكتب.
وروي عن أبي عمرو: الضم، والسكون، وهوتخفيف لهذه القراءة.
والباقون: "عَمَدٍ" بفتحتين، فقيل: بل هو اسم جمع لـ "عمود".
وقيل: بل هو جمع له.
قال الفراء: كـ "أديم وأدم".
وقال أبو عبيدة: هو جمع عماد.
و "فِي عَمَدٍ" يجوز أن يكون حالاً من الضمير في "عَليهِم"، أي: موثقين، وأن يكون خبراً لمبتدأ مضمر، أي: هم في عمد، وأن يكون صفة لـ "مُؤصَدةٌ"، قاله أبو البقاء. يعني: فتكون النَّار داخل العمد.
وقال القرطبي: "الفاء بمعنى الباء، أي: موصدة بعمد ممدة". قاله ابن مسعود، وهي في قراءته: "بعمد ممددة".
قال الجوهريُّ: العمُود: عمود البيت، وجمع القلّة، أعمدة، وجمع الكثرة: عُمُد وعَمَد، وقرئ بهما في قوله تعالى: { فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ }.
وقال أبو عبيدة: العمُود: كل مستطيل من خشب، أو حديد، وهو أصل للبناء مثل العماد. عمدت الشيء فانعمد أي: أقمته بعماد يعتمد عليه، وأعمدته أي جعلت تحته عماداً.
فصل في معنى الآية
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إنَّ الله تَبارَكَ وتَعَالَى يَبعَثُ عَليْهِمْ مَلائِكَةً بأطْباقٍ من نَارٍ، ومَسامِيرَ مِنْ نَارٍ، وعُمدٍ منْ نَارٍ، فتطبق عليهم بتِلْكَ الأطْبَاقِ، وتُسَدُّ بتلْكَ المَسَامِيرِ، وتُمَدُّ بتِلْكَ العُمدِ، فلا يَبْقَى فيْهَا خَلَلٌ يَدخلُ مِنهُ رَوْحٌ ولا يَخرجُ مِنهُ غمٌّ، فيكُونُ فِيهَا زَفيرٌ وشَهِيقٌ، فذلكَ قوله تَعَالَى: { إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ }" .
وقال قتادة: عمد يعذبون بها، واختاره الطَّبري.
وقال ابن عبًّاس: إن العمد الممددة أغلال في أعناقهم.
وقال أبو صالح: قيود في أرجلهم.
وقال القشيري: العمد: أوتاد الأطباق.
وقيل: المعنى، في دهور ممدودة، لا انقطاع لها.
روى الثعلبي عن أبيّ بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"مَنْ قَرَأ { ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ } أعطيَ مِنَ الأجْرِ عَشْرَ حَسناتٍ، وبعدد من اسْتَهْزأ بمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم" .