التفاسير

< >
عرض

قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ
١٠٨
-يوسف

اللباب في علوم الكتاب

قوله: { قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ } الآية.
قل يا محمد هذه الدعوة التي أدعو إليها، والطريقة التي أنا عليها، سُنَّتيِ ومنهاجي، وسمِّي الدِّين سبيلاً، لأنه الطَّريق الذي يؤدِّي إلى الثَّواب، ومثله:
{ ٱدْعُ إِلِىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ } [النحل:125] والسَّبيل في أصل اللغة: الطريق، ثم شبهوا بها التعبُّدات؛ لأن الإنسان يمر عليها إلى الجنَّة.
قوله: { أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ } يجوز أن يكون مستأنفاً، وهو الظاهر، وأن يكون حالاً من الياءِ، و{ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ } حال من فاعل "أدْعُوا" أي: أدعوا كائناً على بصيرةٍ.
وقيل: تمَّ الكلام عند قوله: { أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ } ثم استأنف { عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي }.
قوله { وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي } عطفٌ عليه، أي: على فاعل "أدْعُوا" ولذلك أكد بالضمير المنفصل، ويجوز أن يكون مبتدأ، والخبر محذوف، أي: ومن اتَّبعني يدعو أيضاً، ويجوز أن يكون "عَلَى بَصِيرةٍ": خبراً مقدماً، و"أنَا": مبتدأ مؤخر، و"مَنِ اتَّبعَنِي" عطف عليه أيضاً، ومفعول "أدْعُوا" يجوز أن لا يراد، أي: أنا من أهل الدُّعاء إلى الله، ويجوز أن يقدَّر: أن أدعواالناس. وقرأ عبد الله: "هذَا سَبِيلِي" بالتَّذكير، وقد تقدَّم [الأنعام:55] أنه يذكَّر ويؤنَّث.
فصل
والمعنى: أدْعُوا إلى الله على بصيرةٍ على يقين، والبصيرةُ: هي المعرفة التي يميز بها بين الحقِّ والباطل، وهي الحجَّة والبرهان، "أنَا ومَنِ اتَّبعَنِي": آمَنَ بي، وسار في طريقي، وسيرهُ: اتِّباع الدَّعوة إلى الله ـ عزَّ وجلَّ ـ.
قال الكلبيُّ، وابنُ زيد: حقٌّ على من اتَّبعه أن يدعو إلى ما دعى إليه ويذكِّر بالقرآن.
قال ابن عبَّاسٍ ـ رضي الله عنه ـ: يعني: أصحاب رسُول الله صلى الله عليه وسلم كانوا على أحسن طريقةٍ، وأقصد هداية معدن العلم، وكنز الإيمان وجند الرَّحمن.
قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ:
"العُلمَاءُ أمَناءُ الرُّسلِ على عِبَادهِ، حيثُ يَحْفَظُونَ ما يدْعُونَ إليْهِ" .
ثم قال { وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ } أي: وقل: سبحان الله تنزيهاً عمَّا يشركون.
{ وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } الذين اتَّخذوا من الله ضدًّا وندًّا. وهذه الآية تدلُّ على أنَّ علم الأصول حرفة الأنبياء ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ، وأن الله تعالى ـ ما بعثهم إلى الخلقِ إلا لأجلها.