التفاسير

< >
عرض

أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ ٱلْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ
١٩
ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَلاَ يَنقُضُونَ ٱلْمِيثَاقَ
٢٠
وَٱلَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ
٢١
وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ٱبْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ
٢٢
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ
٢٣
سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ
٢٤
-الرعد

اللباب في علوم الكتاب

قوله تعالى: { أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ ٱلْحَقُّ } الآية قد تقدَّم تقرير القولين في "أفَلمْ" وهو نظيرُ "أفَمَنْ"، ومذهب الزمخشريِّ فيه بعد هنا.
والمعنى: أنَّ العالم بالشَّيء كالبصير، والجاهل به كالأعمى، وليس أحدهما كالآخر، لأن الأعمى إذا مشى من غير قائدٍ، فرُبَّما وقع في المهالك، أو أفسد ما كان في طريقه من الأمتعة النافعة، وأمَّا البصير، فإنه يكون آمناً [الهلاك]، والإهلاك.
قيل: نزلت في حمزة، وأبي جهلٍ، وقيل: في أبي عمَّار، وأبي جهلٍ، فالأوَّل حمزة، أو عمَّار، والثاني: أبو جهل، وهو الأعمى، أي: لا يستوي من يبصر الحق ويتبعه، ومن لا يبصره، ولا يتبعه. { إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ } يتعظ { أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } ذوو العقول.
{ ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ } بما أمرهم به، وفرضه عليهم، ولا يخالفونه. ويجوز أن يكون قوله: { ٱلَّذِينَ يُوفُونَ } صفة لـ"أولي الألباب"، ويجوز أن يكون صفة لقوله ـ عز وجل ـ: { أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ ٱلْحَقُّ }.
وقيل: { ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ } مبتدأ: و { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } خبره لقوله تعالى:
{ وَٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ } [الرعد:25] أولئك لهم اللعنة. وهذه الآية من أوَّلها إلى آخرها جملة واحدة شرطيَّة، وشرطها مشتملٌ على قيودٍ.
القيد الأول قوله: { ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ } قال ابن عباسٍ ـ رضي الله عنه ـ: يريد الذين عاهدهم حين كانوا في صلب آدم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ:
{ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } [الأعراف:172] وقيل: المراد بـ"عَهْدِ اللهِ" كل أمرٍ قام الدليل على صحَّته.
والقيد الثاني: قوله سبحانه: { وَلاَ يِنقُضُونَ ٱلْمِيثَاقَ }، وهذا قريبٌ من الوفاء بالعهد؛ فإن الوفاء بالعهد قريب من عدم نقض الميثاق؛ فهما متلازمان.
وقيل: الميثاق ما وثقه المكلف على نفسه من الطاعات كالنذر، والوفاء بالعهد ما كلف العبد به ابتداء.
وقيل: الوفاءُ بالعهدِ: عهد الربوبيَّة، والعبودية، والمراد بالميثاق: المواثيق المذكورة في التوراة والإنجيل وسائر الكتب الإلهية على وجوب الإيمان بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم عند ظهوره.
وقيل: المراد من الوفاء بالعهد: أن لا يغدر فيه، قال عليه أفضل الصلاة والسلام:
"مَنْ عَاهدَ اللهَ فَغَدرَ كَانَ فِيهِ خَصْلةٌ مِنَ النِّفاقِ" .
القيد الثالث: قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ }.
قيل: أراد به الإيمان بجميع الكتب والرسل، و:
{ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ } [البقرة:285].
وقال الأكثرون: المراد صلة الرَّحم.
فِإن قيل: الوفاء بالعهد، وترك نقض الميثاقِ اشتمل على وجوب الإتيان بجميع المأمورات، والاحتراز عن كل المنهيات. فما الفائدة في ذكر هذه القيود بعدهما؟
فالجواب من وجهين:
[الأول]: ذكر ذلك لئلا يظنَّ ظانٌّ أنَّ ذلك، فيما بينه، وبين ربه، فلا جرم أفرد ما بينه، وبين العباد، بالذكر.
والثاني: أنه تأكيدٌ، وفي [تفسير] هذه الصِّلة وجوه:
أحدها: صلة الرَّحم، قال ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ حاكياً عن ربِّه ـ عز وجل ـ أنا الرَّحمنُ، وهِيَ الرَّحمُ شققتُ لها اسماً من اسْمِي فمنْ وصلها وصلتهُ ومن قَطهَا [قَطَعْتُهُ] قال تعالى:
{ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَتُقَطِّعُوۤاْ أَرْحَامَكُمْ } [محمد:22].
وقال صلى الله عليه وسلم:
"ثَلاثَةٌ يَأتِينَ يَوْمَ القِيامة لها ذَلَق: تأتي الرَّحِمُ تقول: أيْ ربِّ قُطِعْتُ، والأمَانَةُ تقول: أي ربِّ تُركت، والنِّعمة تقول: أي ربِّ كُفِرْتُ" .
وثانيها: المراد صلة محمدٍ صلى الله عليه وسلم ومؤازرته ونصرته في الجهادِ.
وثالثاً: رعاية جميع الحقوق الواجبة للعباد، فيدخل فيه صلة الرَّحم، وأخوة الإيمان قال تعالى:
{ إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } [الحجرات:10] ويدخل في هذه الصلة أيضاً إمدادهم بالخيرات، ودفع الآفات بقدر الإمكان، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، وإفشاء السلام والتبسم في وجوههم، وكف الأذى عنهم، ويدخل فيه كل حيوان حتى الهرة، والدجاجة.
القيد الرابع: قوله: "ويَخْشَوْنَ ربَّهُمْ" معناه: أنَّ العبد، وإن قام بكُلِّ ما جَاءَ عليه من تعظيم الله، والشفقة على خلق الله إلا أنه لا بد من وأن تكون الخشية من الله ـ عز وجل ـ والخوف منه مستويان.
والفرق بين الخشية، والخوف: أنَّ الخشية أن تخشى وقوع خلل إمَّا بزيادةٍ، أو نقصٍ فيما يأتي به، والخوفُ: هو مخافة الهيبة والجلال.
القيد الخامس: قوله ـ عز وجل ـ: { وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ }.
وهذا القيد هو المخافة من سوءِ الحسابِ، وهو خوف الجلال، والعظمة، والمهابة، وإلا لزم التكرار.
القيد السادس: قوله تعالى: { وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ٱبْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ }.
قال ابن عبَّاسِ ـ رضي الله عنهما ـ: "عَلى أمْرِ اللهِ". وقال عطاء: "على المصائب". وقيل: على الشَّهوات.
واعلم أنَّ العبد قد يصبر لوجوه:
إما أن يصبر ليقال: ما أصبره، وما أشد قوته على تحمل النَّوائب.
وإما أن يصبر لئلا يعاب على الجزع.
وإما أن يصبر لئلا تحصل شماتة الأعداء، وإما أن يصبر لعلمه أنَّ الجزع لا فائدة فيه.
فإذا كان أتى بالصَّبر لأحد هذه الوجوه، لم يكن داخلاً في كمالِ النفس، أمَّا إذا صبر على البلاء لعلمه أن البلاء قسمة القاسم الحكيم العلام المنزه عن العبث، والباطل، والسَّفه وأنَّ تلك القسمة مشتملةٌ على حكمةٍ بالغةٍ، ومصلحةٍ راجحةٍ، ورضي بذلك؛ لأنَّه لا اعتراض على المالك في تصرُّفه في ملكه، فهذا هو الذي يصدق عليه أنه صبر ابتغاء وجه ربه؛ لأنه صبر لمجرَّد طلب رضوان الله.
القيد السابع: قوله تعالى: { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ } واعلم أنَّ الصَّلاة، والزَّكاة، وإن كانتا داخلتين في الجملة الأولى، إلاَّ أنه ـ تعالى ـ أفردهما بالذِّكر تنبيهاً على كونهما أشرف سائر العبادات، ولا يمتنع دخول النَّوافل فيه أيضاً.
القيد الثامن: قوله تعالى: { وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً } قال الحسنُ ـ رضي الله عنه ـ: المراد الزكاة المفروضة فِإن لم يتَّهم بتركها أدَّاهَا سرًّا، وإن اتهم بتركها فالأولى أداؤها في العلانية. وقيل: السرُّ: ما يؤديه بنفسه، والعلانية: ما يؤديه إلى الإمام.
وقيل: العلانية: الزكاة، والسر: صدقة التَّطوع.
القيد التاسع: قوله تعالى: { وَيَدْرَءُونَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ } قيل: إذا أتوا المعصية، درءوها، أو دفعوها بالحسنة.
قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: يدفعون بالصَّالح من العمل السيّىء من العمل، وهو معنى قوله تعالى:
{ إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ } [هود:14].
وقال ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ لمعاذ بن جبلٍ ـ رضي الله عنه: "إذا عَملْتَ سَيِّئةً فاعْمَلْ بِجَنْبهَا حَسَنةً تَمْحُهَا، السِّرُّ بالسِّرِّ، والعَلانيةُ بالعَلانِيَة".
وقيل: لا تقابلوا الشَّر بالشَّر، بل قابلوا الشَّر بالخير، كما قال تعالى:
{ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً } [الفرقان:72] { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً } [الفرقان:63] قال الحسن: إذا حرموا أعطوا، وإذا ظلموا عفوا، وإذا قطعوا وصلوا.
قال عبد الله بن المبارك ـ رضي الله عنه ـ: "فهذه ثمان خلال مشيرة إلى ثمانية أبواب الجنَّة".
واعلم أنَّ هذه القيود هي القيودُ المذكورة في الشَّرط، وأمَّا القيودُ المذكورة في الجزاء، فهي قوله تعالى: { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ }، أي عاقبة الدار، وهي الجنَّة.
قال الواحديُّ: "العُقْبَى كالعاقبة، ويجوز أن يكون مصدراً كالشُّورى والقُربى والرُّجعى، وقد يجيء مثل هذا أيضاً على "فَعْلَى" كالنَّجْوى والدَّعوى وعلى "فِعْلَى" كالذِّكرى والضِّيزى، ويجوز أن يكون اسماً وهو هاهنا مصدر مضاف إلى الفاعل، والمعنى: أولئك لهم أن تعقب أحوالهم الدار التي هي الجنة".
قوله: "أؤْلئِكَ" مبتدأ، و"عُقْبَى الدَّارِ" يجوز أن يكون مبتدأ خبره الجار قبله والجملة خبر "أوْلئِكَ"، ويجوز أن يكون "لهم" خبر "أولئك" و"عقبى" فاعل بالاستقرار. قوله: "جنات عدن" يجوز أن يكون بدلاً من "عُقْبَى" وأن يكون بياناً، وأن يكون خبر مبتدأ مضمر، وأن يكون متبدأ خبره "يَدْخُلونهَا".
وقرأ النخعي: "جَنَّة" بالإفراد، وتقدم الخلاف في
{ يَدْخُلُونَهَا } [الرعد:23] والجملة من "يَدْخُلونَهَا" تحتمل الاستئناف أو الحالية المقدرة.
قوله: "ومَنْ صَلَحَ" يجوز أن يكون مرفوعاً عطفاً على الواو، وأغنى الفصل بالمفعول عن التأكيد بالضمير المنفصل، وأن يكون منصوباً على المفعول معه، وهو مرجوح.
وقرأ ابن أبي عبلة "صَلُحَ" بضم اللام، وهي لغة مرجوحة.
قوله: { مِنْ آبَائِهِمْ } في محل الحال من "مَنْ صَلَحَ" و "مِنْ" لبيان الجنس.
وقرأ عيسى الثقفي: "ذُرِّيتَهُم" بالتوحيد؟
فصل
قوله تعالى: { جَنَّاتُ عَدْنٍ } هو القيد الثاني، وقد تقدم الكلام في { جَنَّاتُ عَدْنٍ } عند قوله
{ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ } [التوبة:72].
والقيد الثالث: هو قوله "ومَنْ صَلَحَ" قال ابن عباس: يريد من صدق بما صدقوا به وإن لم يعمل مثل أعمالهم.
وقال الزجاج: "بين ـ تعالى ـ أن الأنساب لا تنفع إذا لم يحصل معها أعمال صالحة"، بل الآباء والأزواج والذريات لا يدخلون الجنة إلا بالأعمال الصالحة.
قال الواحدي: "والصحيح ما قاله ابن عباس؛ لأن الله ـ تعالى ـ جعل من ثواب المطيع سروره بحضور أهله في الجنة، وذلك يدل على أنهم يدخلونها كرامة للمطيع، الآتي بالأعمال الصالحة، ولو دخلوها بأعمالهم الصالحة لم يكن في ذلك كرامة للمطيع، فلا فائدة في الوعد به، إذ كل من كان صالحاً في عمله فهو يدخل الجنة".
قال ابن الخطيب: "وهذه الحجة ضعيفة؛ لأن المقصود بشارة المطيع بكل ما يزيده سروراً وبهجة، فإذا بشر الله المكلف أنه إذا دخل الجنة يجد أباه وأولاده، فلا شك يعظم سروره بذلك وهذا الذي قاله وإن كان فيه مزيد سرور، لكنه إذا علم أنهم إنما دخلوا الجنة إكراماً له كان سروره أعظم وبهجته أتم".
قوله: "وأزْوَاجُهُمْ" ليس فيه ما يدل على التمييز بين زوجة وزوجة، ولعل الأولى من مات عنها أو ماتت عنه، قاله ابن الخطيب.
وفيه نظر؛ لأنه لو مات عنها فتزوجت بعده غيره لم تكن من أزواجه، بل الأولى أن يقال: إن من ماتت في عصمته فقط.
والقيد الرابع: { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ } [قيل: من أبواب الجنة، وقيل: من أبواب القصور، وقال الأصم: من كل باب] من أبواب البر كباب الصلاة وباب الزكاة وباب الصبر، يقولون: نعم ما أعقبكم الله بهذه الدار.
فصل
تمسّك بعضهم بهذه الآية على أن الملك أفضل من البشر فقال: إنه ـ سبحانه ـ ختم مراتب سعادات البشر بدخول الملائكة عليهم على سبيل التحية والإكرام والتعظيم والسلام، فكانوا أجل مرتبة من البشر لما كان دخولهم عليهم موجباً علو درجتهم وشرف مراتبهم، ألا ترى أن من عاد من سفره أو مرضه فعاده الأمير والوزير والقاضي والمفتي فتعظم درجته عند سائر الناس فكذا هاهنا.
قوله: { سَلاَمٌ عَلَيْكُم } الآية قال الزجاج: "ههنا محذوف تقديره والملائكة يدخلون عليهم من كل باب ويقولون: سلام عليكم، فأضمر القول ههنا؛ لأن في الكلام دليلاً عليه والجملة محكية بقول مضمر والقول المضمر حال من فاعل "يَدخُلون" أي يدخلون قائلين. قوله "بِمَا صَبرْتُمْ" متعلق بما تعلق به "عَلَيْكُمْ".
قال ابن الخطيب: متعلق بمحذوف، أي: أن هذه الكرامات التي ترونها إنما حصلت بصبركم و"ما" مصدرية، أي: سبب صبركم، ولا يتعلق بـ "سَلامٌ"، لأنه لا يفصل بين المصدر ومعموله بالخبر قاله أبو البقاء.
وقال الزمخشري: ويجوز أن يتعلق بـ"سَلامٌ" أي: نسلم عليكم ونكرمكم بصبركم".
ولما نقله عنه أبو حيان لم يعترض عليه بشيء. والظاهر أنه لا يعترض عليه بما تقدم لأن ذلك في المصدر المؤول بحرف مصدري وفعل هذا المصدر ليس من ذلك، والباء إما سببية كما تقدم، وإما بمعنى بدل أي: بدل صبركم، أي: بما احتملتم مشاق الصبر.
وقيل: "بمَا صَبَرتُم" خبر مبتدأ مضمر، أي: هذا [الثواب] الجزيل بما صبرتم.
وقرأ الجمهور: "فَنِعْمَ" بكسر النون وسكون العين، وابن يعمر بالفتح والكسر وقد تقدم أنها الأصل؛ كقوله: [الرمل]

3177ـ................... نَعِمَ السَّاعُون في الأمْرِ الشُّطُرْ

وابن وثاب بالفتح والسكون، وهي تخفيف الأصل، ولغة تميم تسكين عين فعل مطلقاً والمخصوص بالمدح محذوف، أي: الجنة.