التفاسير

< >
عرض

سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً
٧٧
-الإسراء

اللباب في علوم الكتاب

قوله تعالى: { سُنَّةَ }: فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن ينتصب على المصدر المؤكِّد، أي: سنَّ الله ذلك سنة، أو سننَّا ذلك سُنَّة.
الثاني: - قاله الفراء -رحمه الله - أنه على إسقاط الخافض، أي: كسُنَّةِ الله تعالى، وعلى هذا لا يوقف على قوله "إلاَّ قليلاً".
الثالث: أن ينتصبَ على المفعول به، أي: اتَّبعْ سُنَّة.
فصل في سنة الله في رسله
سنة الله في الرُّسل، إذا كذَّبتهم الأممُ: ألا يعذِّبهم، ما دام نبيُّهم بين أظهرهم، فإذا خرج نبيهم من بين أظهرهم، عذَّبهم { وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً } أي: إنَّ ما أجرى الله به العادة، لم يتهيَّأ لأحدٍ أن يقلب تلك العادة؛ لأنَّ اختصاص كلِّ حادثٍ بوقته المعيَّن، وصفته المعينة ليس أمراً ثابتاً له لذاته، وإلا لزم أن يدوم أبداً على تلك الحالة، وألاَّ يتميَّز الشيء عمَّا يماثلهُ في تلك الصِّفات، بل إنَّما يحصل ذلك التخصيص بتخصيص المخصِّص، وهو الله تعالى يريد تحصيله في ذلك الوقتِ، ثم تتعلق قدرته بتحصيله في ذلك الوقت، فنقول: هذه الصفات الثلاث المؤثرة في حصول ذلك الاختصاص، إن كانت حادثة، افتقر حدوثها إلى مخصِّصٍ آخر، وتسلسل؛ وهو محالٌ، وإن كانت قديمة، فالقديم يمتنع تغيُّره؛ لأنَّ ما ثبت قدمه، امتنع عدمه، ولمَّا كان التغيُّر على تلك الصِّفات المؤثِّرة في ذلك الاختصاص ممتنعاً، كان التغيُّر في تلك الأشياء المقدرة ممتنعاً، فثبت بهذا البرهان صحَّة قوله تعالى: { وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً }.