التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ ٱلْفُرْقَانَ وَضِيَآءً وَذِكْراً لَّلْمُتَّقِينَ
٤٨
ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ وَهُمْ مِّنَ ٱلسَّاعَةِ مُشْفِقُونَ
٤٩
وَهَـٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ
٥٠
-الأنبياء

اللباب في علوم الكتاب

قوله تعالى: { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَٰرُونَ ٱلْفُرْقَانَ } الآية. لما أمر رسوله أن يقول { { إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِٱلْوَحْيِ } [الأنبياء: 45] أتبعه بأنه عادة الله في الأنبياء قبله. { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَٰرُونَ ٱلْفُرْقَانَ } يعني: الكتاب المفرق بين الحق والباطل، وهو التوراة، وكان "ضِيَاءً" لغاية وضوحه يتوصل به إلى طرق الهدى في معرفة الشرائع، وكان "ذكرى" أي موعظة أو ذكر ما يحتاجون إليه في دينهم ومصالحهم.
وقال ابن زيد: الفرقان النصر على الأعداء كقوله تعالى:
{ { وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ } [الأنفال: 41] يعني: يوم بدر حين فرق بين الحق والباطل. وهو مروي عن ابن عباس، ولأنه أدخل الواو في قوله "وَضِيَاءً" أي: آتينا موسى النصر والضياء، وهو التوراة، لأنَّ العطف يقتضي المغايرة. وقيل: المراد بالفرقان: البرهان الذي فرق به بين الحق والباطل. وقال الضحاك: الفرقان هو فلق البحر.
وقال محمد بن كعب: الفرقان الخروج عن الشبهات. ومن قال المراد بالفرقان: التوراة قال: الواو في قوله: "وَضِيَاءً" تكون من عطف الصفات، والمراد به شيء واحد، أي: آتيناه الجامع بين هذه الأشياء. وقيل: الواو زائدة. قال أبو البقاء فـ "ضِيَاءً" حال على هذا. وإنما خصص الذكر بالمتقين كما في قوله "هُدًى للمتّقين" [البقرة:2].
قوله: "الَّذِينَ يَخْشَوْنَ" في محله ثلاثة أوجه: (الجر على النعت أو البدل أو البيان، والنصب والرفع على القطع). وفي معنى "الغَيْب" وجوه:
الأول: "يَخْشَوْنَ" أي: يخافون ربهم ولم يروه فيأتمرون بأوامره، وينتهون عن نواهيه.
وثانيها: يخشون ربهم وهم غائبون عن الآخرة وأحكامها.
وثالثها: يخشون ربهم في الخلوات إذا غابوا عن الناس { وَهُم مِّنَ ٱلسَّاعَةِ مُشْفِقُونَ } خائفون. ثم قال: ولما أنزلت عليه الفرقان فكذلك هذا القرآن المنزل عليك وهو معنى قوله: { وَهَـٰذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ } يعني: القرآن "ذِكْرٌ" لمن تذكر به "مُبَارَكٌ" يتبرك به، ويطلب منه الخير، "أَفَأَنتُمْ" يا أهل مكة "لَهُ مُنكِرُونَ" جاحدون، استفهام إنكار وتوبيخ، والمعنى: لا إنكار في إنزاله وفي عجائب ما فيه.