التفاسير

< >
عرض

وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ ٱللَّهَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ
٢٠
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
٢١
-النور

اللباب في علوم الكتاب

قوله تعالى: { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ ٱللَّهَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } جواب "لولا" محذوف، أي: لعاجلكم بالعقوبة.
قال ابن عباس: يريد مسطحاً وحسان وحَمْنة. ويجوز أن يكون الخطاب عاماً.
وقيل: جوابه في قوله: { مَا زَكَى مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ }.
وقيل: جوابه: لكانت الفاحشة تشيع فتعظم المضرة، وهو قول أبي مسلم. والأقرب أن جوابه محذوف، لأن قوله من بعد: { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُمْ } كالمنفصل من الأول، فلا يكون جواباً للأول خصوصاً (وقد) وقع بين الكلامين كلام آخر.
قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ } الآية قرئ "خُطُوَاتِ" بضم الطاء وسكونها. والخُطُوات: جمع خُطْوة وهو من خَطَا الرجلُ يَخْطُو خَطْواً فإذا أردت الواحدة قلت: خَطْوَة مفتوحة الأول، والمراد بذلك: السيرة.
والمعنى: لا تتبعوا آثار الشيطان ولا تسلكوا مسالكه في إشاعة الفاحشة، والله تعالى وإن خص بذلك المؤمنين، فهو نهي لكل المكلفين، لأن قوله: { وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ } منع لكل المكلفين من ذلك والفحشاء: ما أفْرَط قُبْحُهُ. والمُنْكَر: ما تنكره النفوس، فتنفر عنه ولا ترتضيه.
قوله: "فإنه يأمر" في هذه الهاء ثلاثة أوجه:
أحدها: أنها ضمير الشأن، وبه بدأ أبو البقاء.
والثاني: أنها ضمير الشيطان.
وهذان الوجهان إنما يجوزان على رأي من لا يشترط عود الضمير على اسم الشرط من جملة الجزاء.
والثالث: أنه عائد على "مَنْ" الشرطية.
قوله: "مَا زَكَى". العامة على تخفيف الكاف، يقال: زَكَا يَزْكُو، وفي ألفه الإمالة وعدمها. وقرأ الأعمش وابن محيصن وأبو جعفر بتشديدها. وكتبت ألفه ياء، وهو شاذ، لأنه من ذوات الواو كغزا، وإنما حمل على لغة من أمال، أو على كتابة المشدد.
فعلى قراءة التخفيف يكون "مِنْ أحَدٍ" فاعلاً. وعلى قراءة التشديد يكون مفعولاً، و"مِنْ" مزيدة على كلا التقديرين، والفاعل هو الله تعالى.
فصل
قال مقاتل: ما زَكَا: ما صلح.
وقال ابن قتيبة: ما (ظهر).
وقيل: من بلغ في الطاعة لله مبلغ الرضا، (يقال: زكا الزرع)، فإذا بلغ المؤمن في الصلاح في الدين ما يرضاه (تعالى) سمي زكياً، فلا يقال: زكى إلا إذا وجد زاكياً، كما لا يقال لمن ترك الهدى: هداه الله مطلقاً، بل يقال: هداه الله فلم يهتد. ودلت الآية على أن الله تعالى هو الخالق لأفعال العباد، لأن التزكية كالتسويد والتحمير، فكما أن التسويد يحصل السواد، فكذا التزكية تحصل الزكاء في المحل.
والمعتزلة حملوه هنا على فعل الإلطاف، أو على الحكم بكون العبد زكياً، وهو خلاف الظاهر، ولأن الله تعالى قال: { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ } علق التزكية على الفضل والرحمة، وخلق الإلطاف واجباً فلا يكون معلقاً بالفضل والرحمة، وأما الحكم بكونه زكياً فذلك واجب، لأنه لولا الحكم له لكان كذباً (و) الكذب على الله محال، فكيف يجوز تعليقه بالمشيئة؟.
فصل
قال ابن عباس في رواية عطاء: هذا خطاب للذين خاضوا في الإفك، ومعناه: ما ظهر من هذا الذنب ولا صلح أمره بعد الذي فعل، أي: ما قبل منكم توبة أحد أبداً، { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّي } يطهر "مَنْ يَشَاءُ" من الذنب بالرحمة والمغفرة { وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } أي: يسمع أقوالكم في القذف، وأقوالكم في البراءة و"عَلِيمٌ" بما في قلوبهم من محبة إشاعة الفاحشة أو من كراهتها، وإذا كان كذلك وجب الاحتراز عن معصيته.