التفاسير

< >
عرض

وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهُ مُعْرِضِينَ
٥
فَقَدْ كَذَّبُواْ فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاءُ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
٦
أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى ٱلأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ
٧
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ
٨
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ
٩
-الشعراء

اللباب في علوم الكتاب

قوله تعالى: { وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ } وعظ وتذكر { مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ مُحْدَثٍ } أي: محدث إنزاله فهو محدث في التنزيل. قال الكلبي: "كلما نزل شيء من القرآن بعد شيء فهو أحدث من الأول".
وقوله: "إلاَّ كَانُوا" جملة حالية، وتقدم تحقيق هذا وما قبله في أول الأنبياء. ومعنى "مُعْرِضِينَ" أي: عن الإيمان به.
قوله: "فَقَدْ كَذَّبُوا" أي: بلغوا النهاية في ردّ آيات الله، "فَسَيَأْتِيهِمْ" أي: فسوف يأيتهم "أَنْبَاءُ": أخبار وعواقب { مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } وذلك إما عند نزول العذاب عليهم في الدنيا، أو عند المعاينة في الآخرة كقوله تعالى:
{ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ } [ص: 88] قوله: { أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى ٱلأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ } أي: صنف، والكريم صفة لكل ما يرضى ويحمد في بابه، يقال: "وجه كريم" إذا كان مرضياً في حسنه وجماله. و "كتاب كريم": إذا كان مرضياً في فوائده ومعانيه. و "النبات الكريم": هو المرضيّ في منافعه مما يأكل الناس والأنعام يقال: نخلة كريمة: [إذا طاب حملها، وناقة كريمة]: إذا كثر لبنها. قال الشعبي: الناس مثل نبات الأرض، فمن دخل الجنة فهو كريم، ومن دخل النار فهو لئيم.
قوله: "كَمْ أَنْبَتْنَا". "كَمْ" للتكثير، فهي خبرية، وهي منصوبة بما بعدها على المفعول به، أي: كثيراً من الأزواج أنبتنا، و { مِن كُلِّ زَوْجٍ } تمييز.
وجوَّز أبو البقاء أن تكون حالاً. ولا معنى له. قال الزمخشري: فإن قلت: ما معنى الجمع بين "كَمْ" و "كُلِّ" ولو قيل: أنبتنا فيه من زوج كريم. قلت: قد دل "كُلّ" على الإحاطة بأزواج النبات على سبيل التفصيل، و "كَمْ" على أن هذا المحيط مُتَكَاثِرٌ مُفْرِطٌ في الكثرة.
قوله: { إِنَّ فِي ذَلِكَ } الذي ذكرت "لآيَةً" دلالة على وجودي وتوحيدي وكمال قدرتي وقوله: "لِلْمؤْمِنِينَ" كقوله:
{ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } [البقرة: 2] لأنهم المنتفعون بذلك { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ }: مصدقين، أي: سبق علمي فيهم أن أكثرهم لا يؤمنون.
وقال سيبويه: (كان) هنا صلة، مجازه: وما أكثرهم مؤمنين. { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } وإنما قدم ذكر "العزيز" على ذكر "الرَّحِيم" لأنه لو لم يقدِّمه لكان ربما قيل: إنه رحيم لعجزه عن عقوبتهم، فأزال هذا الوهم بذكر "العزيز" وهو الغالب القاهر, ومع ذلك فإنه رحيم بعباده، فإن الرحمة إذا كانت عن القدرة الكاملة كانت أعظم وقعاً. فإن قيل: حين ذكر الأزواج دلَّ عليها بكلمتي الكثرة والإحاطة، وكان لا يحصيها إلا عالم الغيب، فكيف قال: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً }؟ وهلا قال: لآيات؟. فالجواب من وجهين:
أحدهما: أن يكون ذلك مشاراً به إلى مصدر "أنبتنا" فكأنه قال: إن في ذلك الإنبات لآية.
والثاني: أن يراد: إن في كل واحد من تلك الأزواج لآية.