التفاسير

< >
عرض

وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ
٦٩
لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ
٧٠
-يس

اللباب في علوم الكتاب

قوله: { وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ } قال الكلبي: إن كفار مكة قالوا: إن محمداً شاعر، وما يقوله شِعر فأنزل الله تكذيباً لهم وما علمناه الشعر وما ينبغي له أي ما يتسهل له ذلك وما كان يتّزن له بيتُ شِعْرٍ حتى إذا تمثل ببيت شعر جرى على لسانه منكسراً. روى الحسن أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان يتمثل بهذا البيت:

كَفَى بالإسْلاَمِ وَالشَّيْبُ لِلْمَرْءِ نَاهِياً

فقال أبو بكر: يا نبي الله إنما قال الشاعر: كَفَى الشَّيْبُ وَالإسْلاَمُ للْمَرْءِ ناهياً. فقال عمر: أشهد أنك رسول بقول الله - عزّ وجلّ -: { وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ } وعن أبي شريح قال: قلت لعائشةَ: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتمثل من الشعر قالت: كان يتمثل من شعر عبد الله بن رواحة قالت: وربما قال:

4185- وَيَأتِيْكَ بِالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَود

وفي رواية (قالت): كان الشعر أبغضَ الحديث إليه، قالت: ولم يتمثل بشيء من الشعر إلى ببيت أخي بني قيس طرفة:

4186- سَتُبْدِي لَكَ الأَيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلاً وَيَأتِيكَ بالأَخْبَار مِنْ لَمْ تُزَوّدِ

فجعل يقول: ويأتيك من لم تزود بالأخبار. فقال أبو بكر: ليس هكذا يا رسول الله فقال: إني لست بشاعر ولا ينبغي لي. وقيل: معناه ما كان يتأتى له. قاله ابن الخطيب. وفيه وجه أحسن من ذلك وهو أن يحمل ما ينبغي له على مفهومه الظاهر وهو أن الشعر ما كان يليق به ولا يصلح له لأن الشعر يدعو إلى تغيير المعنى لمراعاة اللفظ والوزن والشارع يكون اللفظ منه تبعاً للمعنى والشاعر يكون المعنى منه تبعاً للفظ لأنه يقصد لفظاً به يصح وزن الشعر (أ) و قافيته فيحتاج إلى التخيل لمعنى يأتي به لأجلِ ذلك اللفظ. وعلى هذا فنقول: الشعر هُو الكلام الموزون الذي قصد إلى وزنه قصداً أولياً وأما من يقصد المعنى فيصدر موزوناً لا يكون شاعراً ألا ترى أن قوله تعالى: { { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } [آل عمران:92] ليس بشعر والشاعر إذا صدر منه هذا الكلام فيه متحركات وساكنات بعدد ما في الآية تقطعيه بفاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن يكون شعراً لأنه قصد الإتيان بألفاظٍ حروفها متحركة وساكنة كذلك. والمعنى تبعه. والحكيم قصد المعنى فجاء على تلك الألفاظ وعلى هذا يحصل الجواب عن قول من يقول: إنَّ النبي ذكر بيتَ شعرٍ وهو قوله:

4187- أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِب أَنَا ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِب

أو بيتين لأنا نقول: ذلك ليس بشعر لعدم قصده إلى الوزن والقافية وعلى هذا لو صدر من النبي - عليه (الصلاة و) السلام - كلام كثيرٌ موزونٌ مُقَفًّى لا يكون شعراً لعدم قصده اللفظ قصداً أوليّاً، ويؤيد ما ذكرنا أنك إذا تتبعت كلام الناس في الأسواق تجد فيه ما يكون موزوناً واقعاً في بحر من بحور الشعر ولا يسمى المتكلم به شاعراً ولا الكلام شعراً لفقد القصد إلى اللفظ أولاً.
فصل
وجه الترتيب ما تقدم من أنه تعالى في كل موضع ذكر أصلين من الأصول الثلاثة وهي الوحدانية والرسالة والحشر ذكر الأصل الثالث منها وههنا ذكر أصلين الوحدانية والحشر. أما الوحدانية ففي قوله تعالى:
{ { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَٰبَنِيۤ آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ } } [يس:60] وفي قوله: { { وَأَنِ ٱعْبُدُونِي هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } [يس:61] وأما الحشر ففي قوله تعالى: { { ٱصْلَوْهَا ٱلْيَوْمَ } } [يس:64] وبقوله: { ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ } [يس:65] إلى غير ذلك فلما ذكرهما وبينهما ذكر الأصل الثالث وهو الرسالة فقال: { وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ }.
فقوله: { وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ } إشارة إلى أنه معلم من عند الله فعلمه ما أراد ولم يُعَلِّمْه ما لم يُرِدْ.
فإن قيل: لم خص الشعر بنفي التعليم مع أن الكفار كانوا ينسبون إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أشياء من جملتها السحر، والكهانة ولم يقل: وما علمناه السِّحْرَ وما علمناه الكَهَانَةَ؟
فالجواب: أما الكهانة فكانوا ينسبون النبي - صلى الله عليه وسلم - إليها عندما كان خبر عن الغيوب ويكون كما يقول. وأما السحر فكانوا ينسبونه إليه عندما كان يفعل ما لا يقدر عليه الغَيْر كشقِّ القَمَر، وتكلم الحَجَر، والجِذْع وغير ذلك، وأما الشعر فكانوا ينسبونه إليه عندما كان يتلُو القرآن عليهم لكنه - عليه (الصلاة و) السلام - ما كان يُتَحَدَّى إلى بالقرآن كما قال تعالى:
{ { وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ } [البقرة: 23] إلى غير ذلك ولم يقل: إن كنتم في شك من رسالتي فاقطعوا الجذوع أو أَشْبِعُوا الخلق العظيم أو أخبروا الغيوب فلما كان تحديه عليه (الصلاة و) السلام بالكلام وكانوا ينسبونه إلى الشعر عند الكلام خص الشعر بنفس التعليم.
قوله: "إنْ هُوَ" أي (إن) القرآن، دل عليه السياق أو إن المُعَلّم "إلاَّ ذِكْرٌ" يدل عليه: "وَمَا عَلَّمْنَاهُ" والضمير في قوله "له" للنبي - صلى الله عليه وسلم - وقيل: للقرآن.
قوله: "إِلاَّ ذِكْرٌ" موعظة "وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ" فيه الفرائض والحدود والأحكام.
قوله: "لِّيُنذِرَ" قرأ نافع وابن عامر هنا وفي الأحقاف "لُتْنذِرَ" خطاباً، والباقون بالغيبة بخلاف عن البَزِّي في الأحقاف، والغيبة يحتمل أن يكون الضمير فيما للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأن يكون للقرآن. وقرأ الجَحْدَرِيُّ واليَمَانِيُّ "لتُنْذَرَ" مبنياً للمفعول. وأبو السَّمَّال واليمانيّ أيضاً - ليَنْذَرَ - بفتح الياء والذّال من نَذِرَ بكسر الذال أي علم فتكون "مَنْ" فَاعِلاً.
فصل
المعنى لتنذِرَ القرآنَ مَنْ كَانَ حياً يعني مؤمناً حي القلب لأن الكافر كالميتِ في أنه لا يتدبر ولا يتفكر قال تعالى:
{ { أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ } [الأنعام:122]. وقيل: من كان حياً أي عاقلاً وذكر الزمخشري في "رَبِيع الأَبْرَارِ"وَيحِقَّ الْقَوْلُ" ويجب العذاب على الكافر.