التفاسير

< >
عرض

فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ
٤١
أَوْ نُرِيَنَّكَ ٱلَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ
٤٢
فَٱسْتَمْسِكْ بِٱلَّذِيۤ أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
٤٣
وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ
٤٤
-الزخرف

اللباب في علوم الكتاب

قوله: { فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ } قد تقدم الكلام عليه قريباً، والمعنى فَإِمَّا تَذْهَبَنَّ بك بأَنْ نُمِيتَكَ قبل أن تعذبهم { فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ } بالقتل بعدك، { أَوْ نُرِيَنَّكَ } في حياتك { ٱلَّذِي وَعَدْنَاهُمْ } من العذاب، { فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ } قادرون متى شئنا عذبناهم وأراد به مشركي مكة، انتقم منهم يوم بدر هذا قول أكثر المفسرين. وقال الحسن وقتادة: عَنَى به أهل الإسلام من أمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد كان بعد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نقمة شديدة في أمته فأكرم الله تعالى نبيه وذهب به ولم يره في أمته إلا الذي تَقَرُّ عينه، وأبقى النقمة بعده وروي أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أُرِيَ ما يصيب أمَّتَهُ بعده فما رؤي ضاحكاً منبسطاً حتى قبضه الله تعالى. وقرىء "نُرِيَنْكَ" بالنون الخفيفة.
قوله تعالى: { فَٱسْتَمْسِكْ بِٱلَّذِيۤ أُوحِيَ إِلَيْكَ } العامة على أوحي مبنياً للمفعول مفتوح الياء وبعض قراء الشام سكنها تخفيفا، والضحاك: مبنياً للفاعل وهو الله تعالى.
فصل
لما بين له ما يوجب التسلية أمره أن يتمسك بما أمره الله تعالى به فاستمسك بالذي أوحي إليك بأن تعتقد أنه حق، وبأن تعمل بموجبه، فإنه الصراط المستقيم الذي لا يميل عنه إلا ضالّ في الدين. ولما بين تأثير التمسك بهذا الدين في منافع الآخرة بين أيضاً تأثيره في منافع الدنيا فقال: { وإنه لذكر لك ولقومك } أي أنه يعني القرآن "لذكر لك" لشرف لك "ولقومك" من قريش نظيره:
{ { لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ } [الأنبياء:10] شرفكم وأنه يوجب الشرف العظيم لك ولقومك، حيث يقال: إن هذا الكتاب العظيم أنزله الله عز وجل لقوم من هؤلاء.
وهذه الآية تدل على أن الإنسان لا بد وأن يكون عظيم الرغبة في الثناء الحسن والذكر الجميل ولو لم يكن الذكر الجميل أمراً مرغوباً فيه لما مَنَّ اللهُ تعالى به على محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: { إنه لذكر لك ولقومك } وَلَم طلبه إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ حيث قال:
{ وَٱجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي ٱلآخِرِينَ } [الشعراء:84] ولأن الذكر الجميل قائمٌ مقامَ الحياة الشريفة، بل الذكر أفضل من الحياة؛ لأن أثر الحياة لا يحصل إلا في مسكن ذلك الحي، وأما أثر الذكر الجميل فإن يحصل في كل زمان وكل مكان ثم قال تعالى: { وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } قال الكلبي: تسألون هل أديتم شكر إنعامنا عليكم بهذا الذكر الجميل. وقال مقاتل: يقال لمن كذب به: لِمَ كَذَّبْتَ؟ فيسأل سؤال توبيخ.
وقيل: تسألون هل علمتم بما دل عليه القرآن من التكاليف. وروى الضحاك عن أبي عباس ـ (رضي الله عنهم) ـ: أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا سئل لمن هذا الأمر؟ لم يخبر بشيء حتى نزلت هذه الآية، فكان بعد ذلك إذا سئل لمن هذا الأمر بعدك؟ قال لقُرَيْشٍ.
وروى ابن عُمَرـ (رضي الله عنهما) ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
"لاَ يَزَالُ هذَا الأَمْرُ في قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ اثْنَانِ" وروى معاوية قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: "إن هذا الأمر في قرَيْش لا يعاديهم أحدٌ إلا كبّه الله عَلَى وَجْهِهِ مَا أَقَامُوا الدِّينَ" . وقال مجاهد: القوم هم العرب، فالقرآن لهم شرف، إذْ نَزَل بلغتهم، ثم يختص بذلك الشرف الأخص فالأخص من العرب ثم يكون الأكثر لقريش ولبني هاشم.
وقيل: ذكر لك بما أعطاك من الحكمة، ولقومك من المؤمنين، بما هداهم الله به، وسوف تسألون عن القرآن، وعما يلزمكم من القيام بحقه.