التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ
١٣
عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ
١٤
عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ
١٥
إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ
١٦
مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ
١٧
لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ
١٨
-النجم

اللباب في علوم الكتاب

قوله: { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ } في نصب نزلة ثلاثة أوجه:
أحدها أنها منصوبة على الظرف؛ قال الزمخشري: نصب الظرف الذي هو "مَرَّةً"؛ لأن الفَعْلَةَ اسم للمرة من الفعل فكانت في حكمها. قال شهاب الدين: وهذا ليس مذهب البصريين وإنما هو مذهب الفَرَّاء نقله عنه مكي.
الثاني: أنها منصوبة نصب المصدر الواقع موقع الحال، قال مكي: أي رَآهُ نازلاً نَزْلَةً أُخْرَى. وإليه ذهب الحَوْفيُّ وابنُ عَطِيَّةَ.
الثالث: أنه منصوب على المصدر المؤكد، فقدره أبو البقاء مَرَّة أخرى أو رُؤْيةً أُخْرَى.
قال شهاب الدين: وفي تأويل نزلة "برؤية" نظر، و "أخرى" تدل على سبق رؤية قبلها و "عِندَ سِدْرَةِ" ظرف لـ "رَآهُ" و "عِنْدَهَا جَنَّةُ" جملة ابتدائية في موضع الحال، والأحسن أن يكون الحال الظرف و "جنة المأوى" فاعل به. والعامة على (جَنَّة) اسم مرفوع. وقرأ أميرُ المؤمنين وأبو الدَّرْدَاءِ وأبو هُرَيْرَة وابنُ الزبير وأنس وزِرّ بنُ حبيش ومحمد بن كعب (جَنَّةُ) فعلاً ماضياً. والهاء ضمير المفعول يعود للنبي صلى الله عليه وسلم.
والْمَأوَى فاعل بمعنى سَتَرَهُ إيواء الله تعالى. وقيل: المعنى ضمَّه المبيت والليل، وقيل: جنَّهُ بظِلاَلِهِ ودخل فيه. قال ابن الخطيب: والضمير في قوله (عندها) على هذه القراءة عائد إلى النزلة أي عند النزلة جَنَّ محمداً المأوى.
والصحيح أنه عائد إلى السِّدرة. وقد ردت عائشة - (رضي الله عنها) هذه القراءة وتبعها جماعةٌ وقالوا أجنَّ الله من قرأها. وإذا ثبتت قراءة عن مثل هؤلاء فلا سبيل إلى ردِّها ولكن المستعمل إنما هو أجنَّهُ رباعياً فإن استعمل ثلاثياً تعدى بعلى كقوله تعالى:
{ { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلْلَّيْلُ } [الأنعام: 76].
وقال أبو البقاء: وهو شاذ والمستعمل أَجَنَّهُ. وقد تقدم الكلام على هذه المادة في الأَنْعَامِ.
فصل
والواو في (وَلَقَدْ) يحتمل أن تكون عاطفة، ويحتمل أن تكون للحال أي كيف تجادلونه فيما رآه وقد رآه على وجهٍ لا شك فيه؟
واعلم أن قوله: (نَزْلَةً) هي فَعْلَةٌ من النزول كجَلْسَةٍ من الجُلُوس فلا بدّ من نُزُولٍ. واختلفوا في ذلك النزول وفيه وجوه:
الأول: أن الضمير في (رآه) عائد إلى الله تعالى، أي رأى اللَّهَ نزلةً أخرى. وهذا قول من قال في قوله
{ { مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ } [النجم: 11] هو الله تعالى. وقد قيل: بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى ربه بقلبه مرتين. وعلى هذا ففي النزول وجهان:
أحدهما: قول من يجوز على الله الحركة.
وثانيهما: أن النزول بمعنى القُرْبِ بالرَّحْمَةِ والفَضْلِ.
الثاني: أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - رأى الله نزله أخرى، والمراد من النزلة ضدها، وهي العَرْجة كأنه قال: رآه عَرْجَةً أخرى قال ابن عباس - (رضي الله عنهما -) نزلة أخرى هو أنه كانت للنبي - صلى الله عليه وسلم - عَرَجَاتٌ في تلك الليلة لمسألة التخفيف من الصلوات فيكون لكل عرجة نزلة فرأى ربه في بعضها. وروي عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى ربه بفؤاده مرتين. وعنه أنه رأى ربَّه بعيْنَيْهِ.
القول الثاني: أن الضمير في (رآه) عائد إلى جبريل أي رأى جبريل نزلةً أخرى أي رأى جبريل في صورته التي خلق (عليها) نازلاً من السَّمَاء مرةً أخرى وذلك أنه رآه في صورته مرتين مرة في الأرض ومرة في السماء { عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ } قال ابن الخطيب: ويحتمل أن تكون النَّزْلَةُ لمحمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - كما تقدم في العَرْجَانِ.
فصل
وقوله { عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ } المشهور أن السدرة شجرةٌ في السماء السابعة. وقيل: في السماء السادسة، كما ورد عنه - عليه الصَّلاة والسَّلام - أنه قال:
"نَبْقُهَا كَقِلاَل هَجَرَ، وَوَرَقَهُا كَآذَان الفِيَلَةِ" .
وقيل: سدرة المنتهى الحيرة القصوى من السدرة. والسدرة كالركبة من الراكب. يعني عندها يَحَار العقل حيرةً لا حيرة فوقها، وما حار النبي - صلى الله عليه وسلم - وما غاب ورَأَى مَا رَأَى.
وهل قوله: { عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ } ظرف مكان أو ظرف زمان في هذا الموضع؟
قال ابن الخطيب: المشهور أنه ظرف مكان أي رأى جبريل أو غيره بقرب سدرة المنتهى. وقيل: ظرف زمان كما يقال: صليت عِنْدَ طُلُوع الفَجْر، والتقدير رآه عند الحِيرة القُصْوَى أي في الزمان الذي يَحَار فيه عقل العقلاء. فهو عليه الصلاة والسلام ما حار مما من شأنه أن يحار العاقل فيه.
فإن قيل: هذا التأويل يبطل بقوله: { يغشى السدرة ما يغشى } فالجواب: أن المراد من الغشيان غشيان حالة على حالة أي ورد على حالة الحيرة حال الرؤية واليقين وأن محمداً عندما يحار العقل مما رآه وقت ما طرأ على تلك الحالة ما طرأ من فضل الله ورحمته.
والصحيح الأول
فصل
إذا قِيلَ بأنَّ محمداً - عليه الصلاة والسلام - رأى الله فمعناه أنه رآه عند سدرة المنتهى. والظرف قد يكون ظرفاً للرائي كما إذا قال القائل: رَأَيْتُ الهِلاَلَ فيقال (له) أينَ رأيتَهُ؟ فيقول عَلَى السطح وقد يقول عند الشجرة الفلانية. وأما قول من قال: بأن الله تعالى في مكان فذلك باطل. وإن قيل: بأن المرئي جبريل - عليه الصلاة والسلام - فظاهرٌ.
فصل
إضافة السدرة إلى المنتهى يحتمل وجوهاً:
أحدها: إضافة الشيء إلى مكانه كقولك: أشجار بلدةِ كَذَا، فالمنتهى حينئذ موضع لا يتعداه مَلَكٌ قال هلال بْنُ يَسَار: سأل ابن عباس كعباً عن سِدرة المنتهى وأنا حاضر فقال كعب: إنها سدرة في أصل العرش على رؤوس حملة العرش، وإليها ينتهي عِلم الخلائق وما خلقها غيب لا يعلمه إلاَّ الله. وقيل: ينتهي إليها ما يهبط من فوقها ويصعد من تحتها. وقال كعب: ينتهي إليها الملائكة والأنبياءُ. وقال الربيع: ينتهي إليها أرواح الشهداء. وقال قتادة: ينتهي إليها أرواح المؤمنين.
ثانيها: إضافة المحلِّ إلى الحالِّ فيه كقولك: كتابُ الْفِقهِ، وعلى هذا فالتقدير سدرة عندها مُنْتَهَى العلوم.
ثالثها: إضافة المِلْكِ إلى مالكه كقولك: دَارُ زَيْدٍ، وشَجَرَةُ زَيْدٍ، وحينئذ فالمنتهى إليه محذوف تقديره سدرة المنتهى إليه، قال تعالى:
{ { وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلْمُنتَهَىٰ } [النجم: 42] فالمنتهى إليه هو الله تعالى وإضافة السِّدْرَة إليه حينئذ كإضافةِ البَيْتِ إليه للتشريف والتعظيم، كما يقال في التسبيح: يا غايَةَ رغبَتَاهُ يا منتهى أملاَهُ.
فصل
وجنة المأوى قيل: هي الجنة التي وعد بها المتقون، كقوله:
{ { دَارَ ٱلْمُقَامَةِ } [فاطر: 35]. وقيل: هي جنة أخرى عندها تكون أرواح الشهداء وقيل: هي جنة الملائكة.
قوله: { إذْ يَغْشَى } منصوب بـ (رَآهُ) وقوله: "مَا يَغْشَى" كقوله:
{ { مَآ أَوْحَىٰ } [النجم: 10]. وقال ابن الخطيب العامل في (إذْ) ما قبلها أو ما بعدها؟ فيه وجهان:
فإنْ قلنا: ما قبلها ففيه احتمالان:
أظهرهما: "رآه" أي رآه وقت ما يغشى السِّدْرَة الذي يغشى.
والثاني: العامل فيه الفعل الذي في النزلة أي رآه نزلةً أخرى تلك النزلة وقت ما يغشى السِّدرة ما يغشى أي نزوله لم يكن إلاَّ بعدما ظهرت العجائب عند السدرة، وغَشِيهَا مَا غشي.
وإن قلنا: العامل فيها ما بعدها فالعامل فيه { مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ } أي ما زاغ بصره وَقْتَ غَشَيَان السِّدْرَةِ ما غَشِيَهَا.
فصل
اختلفوا فيما يَغْشَى السدرة فقيل: فَرَاشٌ وَجَرَادٌ مِنْ ذَهب. وهو قول ابن عباس، وابن مسعود، والضحاك. قال القرطبي: وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"رأيتُ السِّدْرَة يَغْشَاهَا فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَرَأَيْتُ عَلَى كُلّ وَرْدَةٍ مَلَكاً قَائِماً يُسَبِّح" ؛ وذلك قوله تعالى: { إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ }. قال ابن الخطيب: وهذا ضعيف لأن ذلك لا يثبت إلاَّ بدليل سَمْعِيٍّ فإن صح فيه خبر وإلاَّ فلا وجه له.
وقيل: ملائكة يَغْشَوْنَها كأنهم طيورٌ يرتَقُونَ إليها متشرِّفين متبرِّكين بها زائرين كما يزور الناس الكعبة.
وقيل: يغشاها أنوار الله؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما وصل إليها تجلّى ربه لها كما تجلى للجبل فظهرت الأنوار لكن السدرة كانت أقوى من الجبل وأثبت فجعل الجبل دكًّا ولم تتحرك الشجرة، وخَرَّ موسى صَعِقاً ولم يتزلزل محمد. وقيل: أبهمه تعظيماً له. والْغشَيَانُ يكون بمعنى التغطية والسَّتْر ومنه الغَوَاشِي، ويكون بمعنى الإتيان، يقال: فُلاَنٌ يَغْشَانِي كُلَّ وقت أي يأتِيني.
فصل
قال الماوردي في معاني القرآن: قيل: لما اختيرت السدرةُ لهذا الأمر دون غيرها من الشجر؟ قال: لأن السدرة تختص بثلاثة أوصاف: ظلٍّ مديدٍ، وطعمٍ لذيذٍ، ورائحة زكيةٍ فشابهت الإيمانَ الذي يجمع قولاً وعملاً ونيةً، فظلها من الإيمان بمنزلة العمل لتجاوزه وطعمها بمنزلة النية لكمونه، ورائحتها بمنزلة القول لظهوره. وروى أبو الدرداء عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال:
"مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً صَوَّبَ اللَّهُ رَأْسَهُ فِي النَّارِ" وسئل أبو الدرداء عن معنى هذا الحديث فقال: هو مختصر بمعنى من قطع سدرة في فَلاَةٍ يستظل بها ابن السَّبيل والبهائم عبثاً وظُلْماً بغير حق يكون له فيها صوَّب الله رأسه في النار.
قوله: { مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ } اللام في البصر يحتمل وجهين:
أحدهما: المعروف أي ما زاغ بصرُ محمدٍ - عليه الصلاة والسلام - وعلى هذا فقدم الزيغ لوجوه إن قيل: بأن الغَاشِيَ للسدرة هو الجرادُ والفَرَاشُ فمعناه لم يلتفت إليه ولم يشتغل به ولم يقطع نظره عن مقصوده فيكون غَشَيَانُ الجراد والفراش ابتلاءً وامتحاناً لمحمد - عليه الصلاة والسلام - وإنْ قِيلَ إنّ الغاشي أنوار الله تعالى ففيه وجهان:
أحدهما: معناه لم يلتفت يَمْنَةً ويَسْرَةً بل اشتغل بمطالعتها.
والثاني: ما زاغ البصر بصَعْقَة، بخلاف موسى -"عليه الصلاة والسلام -" فإنه قطع النظر وغشي عليه، ففي الأول بيان أدبِ محمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - وفي الثاني بيان قُوَّتِهِ.
الوجه الثاني: لتعريف الجنس أي ما زاغ بَصَرُهُ أصلاً في ذلك الوضع لِعظمِ هَيْبَتِهِ.
فإن قيل: لو كان كذلك لقال: ما زاغ بصرٌ، فإنه أدل على العموم، لأن النكرة في مَعْرِضِ النفي تَعُمُّ.
فالجواب: هو كقوله:
{ { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَارَ } [الأنعام: 103] ولم يقل: ولم يدرك له بَصَر.
قوله: { وَمَا طَغَى } فيه وجهان:
الأول: أنه عطفُ جملةٍ مستقلة على جملةٍ أخرى.
والثاني: أنه عطف جملة مقدرة على جملة. فمثال المستقلة: خَرَجَ زَيْدٌ ودَخَلَ عَمْرو. ومثال المقدرة خَرَجَ زَيْدٌ ودَخَلَ. والوجهان جائزانِ هنا.
أما الأول: فكأنه تعالى قال عند ظهور النور: مَا زَاغَ بصرُ محمَّد - صلى الله عليه وسلم - وما طغى مُحَمَّد بسبب الالتفات ولو التفت لكان طاغياً.
وأما الثاني: فظاهر. فإن قيل: بأن الغاشي للسِّدْرة جرادٌ فالمعنى لم يلتفت إليه وما طغى أي لم يلتفت إلى غير الله ولم يلتفت إلى الجراد ولا إلى غير الجراد بل إلى اللَّه تَعَالَى.
وإن قيل: غَشِيَها نُورٌ فقوله: "ما زاغ" أي ما مال عن الأنوار "وما طغى" أي ما طلب شيئاً وراءه. وفيه لطيفة وهي أن تكون ذَانِك بياناً لوصول محمد - عليه الصلاة والسلام - إلى سدرة اليقين الذي لا يقين فوقه وذلك أن بصر محمد - عليه الصلاة والسلام - ما زاغ أي ما مال عن الطريق فلم يَرَ الشيء على خلاف ما هو عليه بخلاف من ينظر إلى عين الشمس مثلاً ثم ينظر إلى شيءٍ أبيضَ فإنه يراه أصفَر أو أخْضَرَ يزيغ بصره عن جَادَّة الإبصار، وقوله: "وَمَا طَغَى" أي ما تخيل المعدوم موجوداً. وقيل: "وما طغى" أي ما جاوز ما أُمِرَ بِهِ.
قوله: { لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ } في "الكبرى" وجهان:
أظهرهما: أنها مفعول (رأى) و (من آياتِ ربه) حال مقدرة، والتقدير لقد رأى الآيات الكبرى من آيات ربه.
والثاني: أن { مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ } هو مفعول الرؤية و "الكُبْرَى" صفة "لآيات ربه". وهذا الجمع يجوز وصفه بوصف المؤنثة الواحدة، وحسَّنَهُ هنا كونها فاصلة. وقد تقدم مثله في "طه" عند قوله
{ { لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا ٱلْكُبْرَىٰ } [طه: 23].
قال ابن الخطيب: في "الكُبْرَى" وجهان:
أحدهما: أنها صفة لمحذوف تقديره لقد رأى من آيات ربه الآيَة الكُبْرَى.
ثانيهما: صفة لآيات ربه فيكون مفعول رأى محذوفاً تقديره رأى من آيات ربّه الكبرى آيةً أو شيئاً.
فصل
قال بعض المفسرين: آيات ربه الكبرى هي أنه رأى جبريل - عليه الصلاة والسلام - في صورته. قال ابن الخطيب: والظاهر أن هذه الآيات غير تِيكَ، لأن جبريلَ - عَلَيْهِ الصَّلاة والسلامُ - وإن كان عظيماً، لكن ورد في الأخبار أن لله ملائكةً أعظمَ منه. و "الكُبْرَى" تأنيث الأكبر فكأنه تعالى قال: رأى من آياتِ ربِّه آياتٍ هي أكبر الآيَاتِ.
فصل
قال المفسرون: رأى رَفْرَفاً أخْضَرَ سَدَّ أُفُقَ السماء. قال البيهقيُّ: الرفرف جبريلُ - عليه الصلاة والسلام - في صورته على رفرف، والرَّفْرَفُ البسَاط. وقيل: ثوبٌ كان يَلْبَسُهُ. وقال القرطبي: وروى ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى:
{ { دَنَا فَتَدَلَّىٰ } [النجم: 8] أنه على التقديم والتأخير، أي تدلى الرفرف لمحمد - عليه الصلاة والسلام - ليلة المعراج فجلس عليه ثم رفع فدنا من ربه قال: فَارَقَني جبريلُ وانْقَطَعت عَنّي الأَصْوَاتُ وسَمِعْتُ كَلاَمَ رَبِّي. فعلى هذا الرفرف ما يجلس عليه كالبسَاط ونَحْوِهِ.
فصل
قال ابن الخطيب (هذه الآية) تدل على أن محمداً - عليه الصلاة والسلام - لم ير الله ليلة المعراج وإنما رأى آيات الله. وفيه خلاف. ووجه الدلالة أنه ختم قصة المعراج ههنا برؤية الآيات وقال:
{ { سُبْحَانَ ٱلَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً } [الإسراء: 1] إلى أن قال: { { لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ } [الإسراء: 1] ولو كان رأى ربه لكان ذلك أعظمَ ما يمكن فكان أكبر شيء هو الرؤية، فكان الأمر للرؤية.