التفاسير

< >
عرض

أَفَمِنْ هَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ
٥٩
وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ
٦٠
وَأَنتُمْ سَامِدُونَ
٦١
فَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ وَٱعْبُدُواْ
٦٢
-النجم

اللباب في علوم الكتاب

قوله: { أَفَمِنْ هَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ } متعلق بـ "تَعْجَبُونَ" ولا يجيء فيه الإعمال، لأن من شرط الإعمال تأخير المعمول عن العوامل، وهنا هو متقدم، وفيه خلاف بعيد. وعليه تتخرج الآية الكريمة فإن كُلاًّ من قوله: "تَعْجَبُونَ" و "تَضْحَكُونَ" و "لاَ تَبْكُونَ" يطلب هذا الجار من حيث المعنى.
والعامة على فتح التاء والجيم من "تَعْجَبُون" و "تَضْحَكُون". والحسن بضم التاء وكسر الجيم والحاء من غير واو عاطفة بين الفعلين. وهي أبلغ من حيث إنهم إذا أضحكوا غيرهم كان تجرؤهم أكثر.
وقرأ أُبَيٌّ وعبدُ الله كالجماعة، إلا أنهما بلا واوٍ عاطفة كالحَسَن، فيحتمل أن يكون يضحكون حالاً، وأن يكون استثناءً كالتي قبلها.
فصل
قال المفسرون: المراد بالحديث القرآن. قال ابن الخطيب: ويحتمل أن يكون إشارة إلى حديث أزفت الآزفة، فإنهم كانوا يتعجبون من حَشْر الأجساد، والعظام البالية. وقوله: (وَتَضْحَكُونَ) أي استهزاء من هذا الحديث كقوله تعالى في حق موسى - عليه الصلاة والسلام -:
{ { فَلَمَّا جَآءَهُم بِآيَاتِنَآ إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ } [الزخرف: 47].
ويحتمل أن يكون إنكاراً على مطلق الضحك مع سماع حديث القيامة أي أتضحكون وقد سمعتم أن القيامة قربت فكان حقاً أن لا تضحكوا حينئذ.
وقوله: "وَلاَ تَبْكُونَ" مما تسمعون من الوعيد، روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما رؤي بعد هذه الآية ضاحكاً إلا تبسماً. وقال أبو هريرة:
"لما نزل قوله { أَفَمِنْ هَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ } الآية قال أهل الصفة: إنا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ ثم بكَوْا حتى جرت دموعهم على خدودهم، فلما سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكاءهم بكى معهم فبكينا لبكائه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لاَ يَلِجُ النَّار مَنْ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَلاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مُصرٌّ علَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بكم، وَأَتى بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فيَغْفِرُ لَهُمْ وَيَرْحَمُهُمْ إنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" .
قوله: "وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ" أي غافلون لاهون. وهذه الجملة يحتمل أن تكون مستأنفةً، أخبر الله عنهم بذلك، ويحتمل أن تكون حالاً أي انتفى عنكم البكاء في حال كونكم سامدين. والسمود، قيل: الإعراض والغفلة عن الشيء، وقيل: اللهو، يقال: دَعْ عَنَّا سُمُودَك أي لهوَك. رواه الوالبيُّ والعَوْفِيُّ عن ابن عباس - ( رضي الله عنهما ) - وقال الشاعر:

4578- أَلاَ أَيّهَا الإنْسَانُ إنَّكَ سَامِدٌ كَأَنَّكَ لاَ تَفْنَى وَلاَ أَنْتَ هَالِكُ

فهذا بمعنى لاه لاعب. وقيل: الخُمُودُ. وقيل: الاستنكار، قال (رحمه الله):

4579- رَمَى الْحِدْثَانُ نِسْوَة آلِ سَعْدٍ بِمْقدَارٍ سَمَدْنَ لَهُ سُمُودَا
فَرَدَّ شُعُورَهُنَّ السُّودَ بِيضاً وَرَدَّ وُجُوهَهُنَّ الْبِيضَ سُودَا

فهذا بمعنى الخمود والخشوع، وقال عكرمة وأبو هريرة: السمود القيامة بلغة حِمْيَر، يقولون: يا جَارِيَةُ اسمُدِي لنا أي غنِّي، فكانوا إذا سمعوا القرآن تَغَنَّوْا وَلَعِبُوا. وقال الضحاك: أَشِرُونَ. وقال مجاهد غضاب يَتَبَرْطَعُونَ. وقال الراغب: السامد اللاهي الرافع رأسه من قولهم: بَعِيرٌ سَامِدٌ في سَيْرِهِ. وقيل: سمد رأسه وسبده أي استأصل شعره.
وذكر باسم الفاعل لأن الغفلة دائمة وأما الضحك والعجب فهما أمران يتجددان ويعدمَان. وقال الحسن سامدون أي واقفون للصلاة قبل وقوف الإمام، لما رُوِيَ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه خرج والناس ينتظرونه قياماً فقال: مَا لِي أَرَاكُمْ سَامِدِينَ. حكاه الماوردي. وروى المَهْدَوِيُّ عن علي أنه خرج إلى الصلاة فرأى الناس قياماً فقال: مَا لِي أَرَاكُمْ سَامِدِينَ. وروي عن علي أن معنى "سامدون" أن يجلسوا غير مصلين ولا منتظرين الصلاة. وتسميد الأرض أن يجعل فيها السماد وهو سِرْجينٌ وَرَمَادٌ. واسْمَأدَّ الرجال اسْمِئْدَاداً أي وَرِم غضباً.
قوله: { فَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ وَٱعْبُدُواْ } هذا الأمر يحتمل أن يكون عاماً، ويحتمل أن يكون التفاتاً أي اشتغلوا بالعبادة، ولم يقل: واعبدوا الله إما لكونه معلوماً من قوله: "فَاسْجُدُوا لِلَّهِ" وإما لأن العبادة في الحقيقة لا تكون إلاَّ لله.
وروى عكرمة عن (ابن عباس رضي الله عنهما) أن - النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجنّ والإنس. وروي عن عبد الله - (رَضِيَ الله عنه) - قال: أول سورة أنزلت فيها السجدة النَّجم، فسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسجد مَنْ خَلْفَهُ إلا رجلاً رأيته أخذ كَفًّا من تراب، فسجد عليه فرأيته بعد ذلك قتل كافراً وهو أميةُ بْنُ خَلَفٍ.
وروى زيد بن ثابت - (رضي الله عنه) - قال: قرأت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وَالنَّجْمِ فلم يسجُدْ فيها، وهذا يدل على أن سجود التلاوة غيرُ واجب، قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: إن الله لم يكتبها علينا إلا أن يشاءَ وهو قولُ الشَّافِعِيِّ وأحْمَد.
وذهب قومٌ إلى أنه واجبٌ على القارىء والمستمع جميعاً. وهو قول سفيانَ الثوريِّ وأصحابِ الرأي.
وروى الثعلبي في تفسيره عن أبيّ بن كعب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
"مَنْ قَرَأَ سورة النجم أُعطي من الأجر (عشر حسنات) بعَدَدِ مَنْ صَدَّقَ بمُحَمَّد وكَذَّبَهُ" (انتهى).