التفاسير

< >
عرض

أَفَرَءَيْتُمُ ٱلْمَآءَ ٱلَّذِي تَشْرَبُونَ
٦٨
ءَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ ٱلْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنزِلُونَ
٦٩
لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ
٧٠
-الواقعة

اللباب في علوم الكتاب

قوله: { أَفَرَأَيْتُمُ ٱلْمَآءَ ٱلَّذِي تَشْرَبُونَ }.
لتحيوا به أنفسكم، وتسكنوا به عطشكم.
{ أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ ٱلْمُزْنِ }.
أي: السحاب، وهو اسم جنس، واحدهُ: مزنة.
قال: [المتقارب]

4699- فَلاَ مُزْنَةٌ ودَقَتْ ودقَهَا ولا أرْضَ أبْقَلَ إبْقالَهَا

وعن ابن عباس ومجاهد وغيرهما أيضاً والثوري: المُزْن: السَّماء والسَّحاب.
وقال أبو زيد: المُزنة: السحابة البيضاء، والجمع مزن.
والمُزْنة: المطرة.
قال: [الطويل]

4700- ألَمْ تَرَ أنَّ اللَّهَ أنْزَلَ مُزْنَةً وعُفْرُ الظِّباءِ في الكناسِ تَقَمَّعُ

وقوله: { أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنزِلُونَ }.
أي: إذا عرفتم بأني أنزلته فلم لا تشكروني بإخلاص العبادة لي، ولم تنكروا قُدرتي على الإعادة؟.
وقوله: { لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً }.
وقد تقدم عدم دخول "اللام" في جواب "لو" هذه.
وقال الزمخشري: "فإن قلت: لم دخلت "اللام" في جواب "لو" في قوله: "لجعلناه حطاماً"، ونزعت منه هاهنا؟.
قلت: إن "لو" لما كانت داخلة على جملتين معلقة ثانيتهما بالأولى تعلق الجزاء بالشَّرط، ولم تكن مخلصة للشرط كـ "إن" و "لا" عاملة مثلها، وإنما سرى فيها معنى الشرط اتفاقاً من حيث إفادتها في مضمون جملتين أن الثَّاني امتنع لامتناع الأول افتقرت في جوابها إلى ما ينصب علماً على هذا التعلق فزيدت هذه "اللام" لتكون علماً على ذلك، فإذا حذفت بعد ما صارت علماً مشهوراً مكانه، فلأن الشيء إذا علم وشهر موقعه، وصار مألوفاً ومأنوساً به لم يبال بإسقاطه عن اللفظ استغناء بمعرفة السَّامع.
ألا ترى ما يحكى عن رؤبة، أنَّه كان يقول: خيرٍ، لمن قال له: كيف أصبحت؟
فحذف الجار لعلم كل أحد بمكانه، وتساوي حال إثباته وحذفه لشهرة أمره، وناهيك بقول أوس: [السريع]

4701- حَتَّى إذا الكَلاَّبُ قال لَهَا كاليَوْمِ مَطْلُوباً ولا طَلَبَا

وحذفه: "لَمْ أرَ" فإذاً حذفها اختصار لفظي، وهي ثابتة في المعنى، فاستوى الموضعان بلا فرق بينهما، على أن تقدم ذكرها والمسافة قصيرة، مُغْنٍ عن ذكرها ثانياً، ويجوز أن يقال: إن هذه "اللام" مفيدة معنى التَّوكيد لا محالة، فأدخلت في آية المطعوم دون آية المشروب للدلالة على أنّ أمر المطعوم مقدم على أمر المشروب، وأنَّ الوعيد بفقده أشد وأصعب من قبل أن المشروب إنما يحتاج إليه تبعاً للمَطْعُوم.
ألا ترى أنك إنما تسقي ضيفك بعدما تطعمه، ولو عكست قعدت تحت قول أبي العلاء: [الوافر]

4702- إذا سُقِيَتْ ضُيُوفُ النَّاسِ مَحْضاً سَقَوْا أضْيافَهُمْ شَبَماً زلالا

وسقي بعض العرب فقال: أنا لا أشرب إلا على ثميلة ولهذا قدمت آية المطعوم على آية المشروب". انتهى.
وقد تقدم جواب ابن الخطيب له عن ذلك.
فصل في تفسير الآية
قال ابن عبَّاس: "الأجاج": المالح الشديد الملوحة.
وقال الحسن: مُرًّا لا تنتفعون به في شرب ولا زرع ولا غيرهما.
"فلولا" أي: فهلا "تشكرون" الذي صنع ذلك بكم.