التفاسير

< >
عرض

فَقَدْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ
٥
-الأنعام

اللباب في علوم الكتاب

"الفاء" هنا للتَّعْقِيبِ، يعني: أنَّ الإعْرَاض عن الآيات أعْقَبَهُ التَّكْذِيبُ.
وقال الزمخشري: "فَقَدْ كَذَّبوا" مردودٌ على كلامٍ محذوف، كأنه قيل: إن كانوا معرضين عن الآيات، فقد كذبوا بما هو أعظم آية وأكبرها.
وقال أبو حيان: ولا ضرورة تدعو إلى هذا في انتظام الكلام وقوله: "بالحق" من إقامة الظاهر مقام المُضْمَرِ، إذ الأصل: فقد كذبوا بها أي: بالآية.
فصل في بيان المراد "بالحق"
والمُرَادُ بالحقِّ ها هنا القرآن.
وقيل: [محمد صلى الله عليه وسلم وقيل:] جميع الآيات.
فصل
واعلم أنَّهُ - تعالى - رتّبَ أمورَ هؤلاء الكُفَّارِ على ثلاث مراتب:
أولها: كونهم معرضين عن التأمُّلِ والتَّفَكُّرِ في الدَّلائل [والبَيِّنَات].
والمرتبة الثانية: كونهم مكذ‍ّبين بها، وهذه أزْيَدُ ما قَبْلَهَا؛ لأنَّ المُعْرِضَ عن الشِّيء قد لا يكون مكذباً به، بل قد يكون غَفِلَ عنه؛ فإذا صَارَ مُكَذِّباً به، فقد زاد على الإعْرَاضِ.
والمرتبة الثالثة: كونهم مُسْتَهْزِئينَ بها؛ [لأن المكذب] بالشيء قد لا يبلغ تكذيبه به إلى حدِّ الاسْتِهْزَاءِ، فإذا بلغ إلى هذا الحَدَّ، فقدْ بَلَغَ الغَايَة القُصْوَى في الإنكار، [ثُم] بَيَّن - تعالى - أنَّ أولئك الكُفَّار وصلوا في هذه المراتب الثلاثة على هذا الترتيب.
قوله تعال:{ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ }.
"الأنبياء جمع "نبأ" وهو ما يعظم وقعه من الأخبار، وفي الكلام حَذْفٌ، أي: يأتيهم مَضْمونُ الأنباء، و "به" متعلّق بخبر "كانوا".
و "لمّا" حرف وجوب أو ظرف زمان، والعامل فيه "كذبوا"
و"ما" يجوز أن تكون موصولةٌ اسميةً، والضميرُ في "به" عائد عليها، ويجوز أن تكون مصدرية.
قال ابن عطيّة: أي: أنباء كونهم مستهزئين، وعلى هذا فالضميرُ لا يعودُ عليها؛ لأنها حرفية؛ بل تعود على الحقِّ، وعند الأخفش يعود عليها؛ لأنها اسم عنده.
ومعنى الآية: وسوف يأتيهم أخبارُ اسْتِهْزَائهِمْ وجَزَاؤهُ، أي: سيعلمون عاقبة اسْتهْزَائِهِمْ إذا عُذِّبُوا، فقيل: يوم "بدر" وقيل: يوم القيامة.