التفاسير

< >
عرض

لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
٣
-الممتحنة

اللباب في علوم الكتاب

قوله: { لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ }.
لما اعتذر حاطب بأن له أرحاماً وأولاداً فيما بينهم بيَّن الله - تعالى - أن الأهل والأولاد لا ينفعون شيئاً يوم القيامة إن عصى من أجل ذلك.
{ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ } فيدخل المؤمنين الجنة، ويدخل الكافرين النار { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }.
قوله: { يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } يجوز فيه وجهان.
أحدهما: أن يتعلق بما قبله، أي: لن ينفعكم يوم القيامة، فيوقف عليه، ويبتدأ { يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ }.
والثاني: أن يتعلق بما بعده، أي: يفصل بينكم يوم القيامة، فيوقف على "أولادكم" ويبتدأ { يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ }.
والقراء في { يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ } على أربع مراتب:
الأولى: لابن عامر: بضم الياء وفتح الفاء والصاد مثقلة.
الثانية: مثقلة إلا أنه بكسر الصاد للأخوين.
الثالثة: بفتح الياء وسكون الفاء وكسر الصاد مخففة لعاصم.
الرابعة: بضم الياء وسكون الفاء وفتح الصاد مخففة للباقين، وهم نافع وابن كثير، وأبو عمرو، وهذا في السبعة.
وقرأ ابن أبي عبلة وأبو حيوة: بضم الياء وكسر الصاد مخففة وسكون الفاء مخففة من "أفْصَلَ".
وأبو حيوة أيضاً: "نُفْصِلُ" بضم النون، من "أفصل".
والنخعي وطلحة: "نُفَصِّلُ" بضم النون وفتح الفاء وكسر الصَّاد مشددة.
وقرأ أيضاً وزيد بن علي: "نَفْصِلُ" بفتح النون وسكون الفاء وكسر الصاد مخففة فهذه أربع، فصارت ثماني قراءات.
فمن بناه للمفعول، فالقائم مقام الفاعل إما ضمير المصدر، أي: يفصل الفصل، أو الظرف، وبني على الفتح لإضافته إلى غير متمكن، كقوله:
{ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ } [الأنعام: 94] في أحد الأوجه، أو الظرف وهو باقٍ على نصبه كقولك: جُلِسَ عندك. ثم قال: { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }، وفيه سؤال، وهو أنه لِمَ لَمْ يَقُلْ: خبير مع أنه أبلغ في العلم بالشيء؟
والجواب: أنَّ الخبير أبلغ في العلم، والبصير أشهر منه فيه، فإنه يجعله كالمحسُوس بحس البصر.