التفاسير

< >
عرض

هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْ وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ
٧
يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ
٨
-المنافقون

اللباب في علوم الكتاب

قوله: { هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْ }.
قد تقدم سببُ النزول، وأن ابن أبي قال: لا تنفقوا على من عند محمد "حتى ينفضوا" أي يتفرقوا عنه، فأعلمهم الله سبحانه وتعالى أن خزائن السماوات والأرض له ينفق كيف يشاء.
قال رجل لحاتم الأصم: من أين تأكل؟ فقال: { وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ }.
وقال الحسن: "خزائنُ السماوات" الغُيوبُ، وخزائنُ الأرضِ القلوبُ، فهو علاَّمُ الغيوب ومُقلبُ القُلوبِ.
قوله: { يَنفَضُّواْ }.
قرأ العامَّةُ: "ينفضُّوا" من الانفضاضِ وهو التفرقُ.
وقرأ الفضلُ بن عيسى الرقاشي: "يُنْفِضُوا" من أنفض القوم، فني زادهم.
ويقال: نفض الرجل وعاءه من الزاد فانفضَّ.
فيتعدى دون الهمزة ولا يتعدى معها، فهو من باب "كَبَبتهُ فانْكَبَّ".
قال الزمخشري: وحقيقته جاز لهم أن ينفضوا مزاودهم.
ثم قال تعالى: { وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ } أنه إذا أراد أمراً يسره.
قوله: { يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ }.
القائل ابن أبيّ، كما تقدم.
وقيل: إنه لما قال: { لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ } ورجع إلى المدينة لم يلبث إلا أياماً يسيرة حتى مات، فاستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم وألبسه قميصه، فنزل قوله: { لَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ }.
وروي أن عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سَلُولَ قال لأبيه: والله الذي لا إله إلا هو لا تدخل المدينة حتى تقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأعزُّ وأنا الأذلُّ، فقاله.
توهموا أن العزة لكثرةِ الأموال والأتباعِ فبيَّن اللَّهُ - تعالى - أنَّ العزَّة والمنَعَة والقُوَّة لله.
قوله: { لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ }.
قرأ العامَّةُ: بضم الياء وكسر الراء مسنداً إلى "الأعزّ" و"الأذلّ" مفعول به، والأعزُّ بعضُ المنافقين على زعمه.
وقرأ الحسن وابنُ أبي عبلة والمسيبي: "لنُخْرجَنَّ" بنون العظمة، وبنصب "الأعزَّ" على المفعول به، ونصب "الأذَلَّ" على الحالِ.
وبه استشهد من جوز تعريفها.
والجمهور جعلوا "أل" مزيدة على حدّ "أرسلها العراك" و "ادخلوا الأول فالأول".
وجوَّز أبو البقاء: أن يكون منصوباً على المفعولِ، وناصبه حال محذوفةٌ، أي: مشبهاً الأذلَّ.
وقد خرجه الزمخشري على حذف مضافٍ، أي: خروج الأول أو إخراج الأول.
يعني بحسب القراءتين من "خرج وأخرج" فعلى هذا ينتصب على المصدر لا على الحال.
ونقل الدَّاني عن الحسن أيضاً: "لنخرُجَنَّ" بفتح نون العظمة وضم الراء، ونصب "الأعزَّ" على الاختصاص كقولهم: "نحن العرب أقرى النَّاس للضيفِ" و"الأذلَّ" نصب على الحال أيضاً. قاله أبو حيان.
وفيه نظر، كيف يخبرون عن أنفسهم أنهم يخرجون في حال الذل مع قولهم: "الأعز" أي: "أخُصُّ الأعزَّ" ويعنون بـ"الأعزِّ" أنفسهُم.
وقد حكى هذه القراءة أيضاً أبو حاتم.
وحكى الكسائي والفرَّاء: أن قوماً قرأوا: "ليَخْرُجنَّ" - بفتح الياء وضم الراء - ورفع "الأعزّ" فاعلاً ونصب "الأذل" حالاً.
وهي واضحة.
وقرىء: "ليُخْرجَنَّ" - بضم الياء - مبنيًّا للمفعول، "الأعز" قائم مقام الفاعل "الأذلّ" حال أيضاً.
فصل في ختم الآية بـ"لا يفقهون"
قال ابن الخطيب: فإن قيل: ما الحكمةُ في أنه تعالى ختم الآية الأولى بقوله: "لا يَفْقَهُونَ" وختم الثَّانية بقوله: "لاَ يَعْلمُونَ"؟.
فالجواب: ليعلم بالأولى قلة كياستهم وفهمهم، وبالثانية حماقتهم وجهلهم، ولا يفقهون من فِقهَ يَفْقَهُ، كعلِمَ يَعْلَمُ، أو من فقُهَ يَفقهُ، كعَظُمَ يَعظُمُ، فالأول لحصولِ الفقه بالتكلُّفِ، والثاني لا بالتكلُّفِ، فالأول علاجيٌّ، والثاني مزاجي.