التفاسير

< >
عرض

فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يٰقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَـٰلَـٰتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ ءَاسَىٰ عَلَىٰ قَوْمٍ كَٰفِرِينَ
٩٣
وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ
٩٤
-الأعراف

اللباب في علوم الكتاب

قوله: { فَكَيْفَ آسَىٰ عَلَىٰ قَوْمٍ كَافِرِينَ } "كيف" هنا مثل "كيف" في: { كَيْفَ تَكْفُرُونَ } [البقرة: 28] وتقدم الكلام على "آسى" وبابه.
وقرأ ابن وثاب وابن مصرّف والأعمش: "إيسى" بكسر الهمزة التي هي حرف مضارعة، وتقدم أنها لغة بني أخْيَل في "الفاتحة"، ولزم من ذلك قلب الفاء بعدها ياءً؛ لأن الأصل أأسى بهمزتين.
والأسى: شدة الحزن قال العجّاج: [الرجز]

2529 - وانْحَلَبَتْ عَيْنَاهُ منْ فَرْطِ الأسَى

والأسى: الصبر.
وفي المعنى قولان:
الأول: أنه اشتد حزنه على قومه، لأنهم كانوا كثيرين، وكان يتوقع منهم الإيمان، فلّما نزل بهم الهلاك العظيم حصل في قلبه من جهة القرابة والمجاورة وطول الألفة حزن، ثم عزى نفسه وقال: { كيف آسى على قوم كافرين }، لأنهم هم الذين أهلكوا أنفسهم بإصْرارِهِمْ على الكُفْرِ.
الثاني: أنَّ المعنى: لقد أعْذَرْتُ إليكم في الإبلاغِ والنَّصِيحَةِ والتَّحْذِير مما حلَّ بكم؛ فلم تسمعوا قولي، ولم تَقْبَلُوا نَصِيحَتِي "فَكْيَفَ آسَى عَلَيْكُمْ"، بمعنى أنَّكُمْ لستم مستحقِّين بأنْ آسى عليكم.
قوله تعالى: { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ } الآية.
لمَّا عرَّفنا أحوال هؤلاءِ الأنْبِيَاءِ، وما جرى على أمَمِهِمْ كان من الجَائزِ أن يُظَنَّ أنَّهُ تعالى ما أنزل عذاب الاستئِصَالِ إلاّ في زمن هؤلاء الأنبياء فَقَطْ؛ فَبَيَّنَ في هذه الآيَةِ أنَّ هذا الهلاكَ قد فعلهُ بغيرهم، وبيَّن العِلَّة الَّتي فعل بها ذلك فقال: { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ }، وفيه حذفٌ وإضمار وتقديره: "من نَبِيّ فَكَذَّبُوهُ، أو فكذبه أهْلُهَا". وذكر القريةَ؛ لأنَّهَا مجتمع القوم، ويَدْخُلُ تحت هذه اللَّفْظَةِ المدينة؛ لأنَّهَا مجتمع الأقْوَامِ.
قوله: "إلاَّ أخَذْنَا" هذا استثناءٌ مفرَّغٌ، و "أخَذْنَا" في محلِّ نَصْبٍ [على الحَالِ] والتَّقديرُ: وما أرْسَلْنَا إلاَّ آخذين أهلها، والفِعْلُ الماضي لا يقعُ بعد "إلاَّ" إلاَّ بأحد شرطين: إمَّا تقدُّم فعل كهذه الآية، وإمَّا أن يصحب "قَدْ" نحو: ما زيد إلاَّ قد قَامَ، فلو فُقِدَ الشَّرْطان امتنع فلا يجوز: ما زيد إلاَّ قام.
قوله: "بِالبأسَاء وَالضَّرَّاءِ".
قال الزَّجَّاجُ: "البَأسَاءُ: كلُّ ما ينالهم من الشِّدَّةِ في أحوالهم، والضراء: ما ينالهم من الأمْرَاضِ".
وقيل: "على العكس".
وقال ابْنُ مسعود: "البَأسَاءُ: الفقر، والضَّرَّاءُ: المَرَضُ".
وقيل: "البَأسَاءُ في المال، والضَّرَّاءُ في النَّفْسِ".
وقيل: "البَأسَاءُ: البؤس، وضيقُ العيشِ، والضَّرَّاءُ: الضرُّ وسوءُ الحال".
وقيل: "البَأسَاءُ: في الحزن والضَّرَّاءُ: في الجدب".
"لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ" لكي يَتَضَرَّعُوا؛ فيتوبوا.