التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
٣٢
وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ
٣٣
وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَمَا كَانُوۤاْ أَوْلِيَآءَهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ ٱلْمُتَّقُونَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
٣٤
-الأنفال

اللباب في علوم الكتاب

قوله: { وَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ }.
نزلت في النضر بن الحارث من بني عبد الدَّارِ.
قال ابنُ عباسٍ: لمَّا قصَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم شأن القرون الماضية قال النَّضْرُ: لو شئت لقلتُ مثل هذا إن هذا إلا ما سطر الأوَّلُونَ في كتبهم.
فقال له عثمانُ بن مظعون: اتق الله فإن محمداً يقول الحقَّ، قال: وأنا أقول الحق.
قال عثمان: فإنَّ محمداً يقول: لا إله إلاَّ الله، قال: وأنا أقول: لا إله إلاَّ الله ولكن هذه بنات الله، يعني: الأصنام.
ثم قال: { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا } الذي يقوله محمد { هُو الحقَّ من عندكَ }.
فإن قيل: في الآية إشكال من وجهين:
أحدهما: أن قوله { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ } الآية. حكاهُ الله عن كلام الكُفَّارِ، وهو من جنس نظم القرآن، فقد حصلت المعارضة في هذا وحكي عنهم في سورة الإسراء قولهم:
{ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنبُوعاً } [الإسراء: 90] الآيات، وهذا أيضاً كلامُ الكُفَّار فقد حصل من كلامهم ما يشبه نظم القرن، فدلَّ على حصول المعارضة.
الوجه الثاني: أنَّ كفار قريش كانُوا معترفين بوجود الإله، وقدرته، وكانوا قد سمعوا التَّهديد الكثير من محمد صلى الله عليه وسلم في نزول العذاب، فلو كان القرآن معجزاً لعرفوا كونه معجزاً، لأنهم أرباب الفصاحةِ والبلاغةِ، ولو عرفوا ذلك لكان أقلّ الأحوال أن يَشُكُّوا في نبوَّة محمد - عليه الصَّلاة والسَّلام -، ولو كانُوا كذلك لما أقدموا على قولهم: { اللَّهُمَّ إِن كان هذا هُوَ الحقَّ من عندكَ فأمْطِرْ علينا حِجارةً منَ السَّماءِ }؛ لأن الشَّاك لا يتجاسر على مثل هذه المبالغة وحيث أتوا بهذه المبالغة علمنا أنَّه ما لاح لهم في القرآن وجه من الوجوه المعجزة.
فالجواب عن الأول: أنَّ الإتيان بهذا القدر من الكلامِ لا يكفي في حصول المعارضة؛ لأنَّ هذا القدر كلام قليل لا يظهر فيه وجوه الفصاحة والبلاغة.
والجوابُ عن الثَّانِي: هَبْ أنَّه لم يظهر لهم الوجه في كون القرآن معجزاً إلاَّ أنَّهُ لما كان معجزاً في نفسه، فسواء عرفوا ذلك الوجه أو لم يعرفوا فإنه لا يتفاوت الحال.
قوله "هُو الحقَّ" العامَّةُ على نصب "الحقَّ" وهو خبر الكون، و "هُوَ" فصل، وقد تقدَّم الكلام عليه.
وقال الأخفشُ: "هو" زائد، ومرادُه ما تقدَّم من كونه فصلاً.
وقرأ الأعمشُ، وزيدُ بن علي: برفع "الحقَّ" ووجهها ظاهرٌ، برفع "هُوَ" بالابتداء و "الحق" خبره، والجملةُ خبرُ الكونِ؛ كقوله: [الطويل]

2699 - تَحِنُّ إلَى لَيْلَى وأنْتَ تَركْتَهَا وكُنْتَ عليْهَا بالمَلا أنْتَ أقْدَرُ

وهي لغةُ تميم. وقال ابن عطية: ويجوز في العربية رفع "الحقّ" على خبر "هو" والجملة خبر لـ "كان".
قال الزَّجَّاجُ "ولا أعلم أحداً قرأ بهذا الجائز"، وقد ظهر من قَرأَ به وهما رجلان جليلان.
قوله: "مِنْ عندِكَ" حال من معنى "الحَقّ": أي: الثَّابت حال كونه من عندك.
وقوله "مِنَ السَّماءِ" فيه وجهان:
أحدهما: أنَّهُ متعلقٌٌ بالفعل قبله.
والثاني: أنه صفة لـ "حِجَارةً" فيتعلقُ بمحذوفٍ.
وقوله: "مِنَ السَّماءِ" مع أنَّ المطر لا يكون إلاَّ منها، قال الزمخشريُّ: "كأنه أراد أن يقال: فأمطرْ علينا السِّجِّيلَ، فوضع حجارة من السماء موضع السِّجِّيل كما يقال: صب عليه مسرودةً من حديد، تريدُ درعاً".
قال أبو حيان: "إنَّهُ يريد بذلك التَّأكيد" قال: "كَمَا أنَّ قوله: "من حديد" معناه التأكيد؛ لأنَّ المسرودَ لا يكون إلاَّ من حديدٍ، كما أنَّ الأمطارَ لا تكونُ إلاَّ من السَّماءِ".
وقال ابنُ عطيَّة: "قولهم "مِنَ السَّماءِ" مبالغة وإغراق".
قال أبو حيَّان: "والذي يظهر أنَّ حكمة قولهم: "مِنَ السَّماءِ" هي مقابلتُهم مجيءَ الأمطارِ من الجهة التي ذكر عليه الصلاة والسلام أنه يأتيه الوحي من جهتها، أي: إنَّك تذكر أن الوحي يأتيك من السَّماءِ، فأتِنَا بالعذاب من الجهة التَّي يأتيك الوحي منها، قالوه استبعاداً له".
فصل
قال عطاءٌ: "لقد نزل في النضر بن الحارث بضع عشرة آية فحاق به ما سأل من العذاب يوم بدر".
قال سعيدُ بنُ جبيرٍ "قتل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يوم بدرٍ ثلاثةً من قريشٍ صبراً طعيمة بن عدي، وعقبة بن أبي معيطٍ، والنَّضْر بن الحارث". وروى أنس أن الذي قال هذا الكلام أبُو جُهْلٍ.
قوله: { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ } اللاَّم في "ليُعَذِّبهُمْ" قد تقدَّم أنها لامُ الجحود، والجمهورُ على كسرها، وقرأ أبُو السَّمَّال: بفتحها.
قال ابن عطية عن أبي زيد: "سمعت من العرب من يقول "ليُعَذِّبهُمْ" بفتح اللاَّم، وهي لغةٌ غيرُ معروفةٍ ولا مستعملةٍ في القرآن". يعني في المشهور منه، ولمْ يَعْتَدَّ بقراءة أبي السمال، وروى ابن مجاهد عن أبي زيد فَتْحَ كلِّ لامٍ عن بعض العربِ إلاَّ في
{ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ } [الفاتحة: 2] وروى عبد الوارث عن أبي عمرو: فتح لام الأمر من قوله: { فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ } [عبس: 24]، وأتى بخبر "كان" الأولى على خلاف ما أتى به في الثانية فإنَّه إمَّا أن يكون محذوفاً، وهو الإرادة كما يقدِّره البصريون أي: ما كان الله مُريداً لتعذيبهم وانتفاءُ إرادة العذاب أبلغُ من نفي العذاب، وإمَّا أنه أكَّدَهُ باللاَّم على رأي الكوفيين لأنَّ كينونته فيهم أبلغُ من استغفارهم، فشتَّان بين وجودِه عليه الصَّلاة والسَّلام، وبين استغفارهم.
وقوله "وأنتَ فيهِمْ" حال، وكذلك "وهُمْ يَسْتَغفرُونَ".
والظَّاهر أنَّ الضمائرَ كلَّها عائدةٌ على الكفار.
وقيل: الضمير في "يُعذِّبَهُمْ" و "مُعَذِّبَهُمْ" للكفَّارِ، والضمير من قوله "وهُمْ" للمؤمنين.
وقال الزمخشريُّ: "وهُمْ يَسْتَغفرُونَ" في موضع الحال، ومعناه: نفيُ الاستغفار عنهم أي: ولو كانوا ممَّن يؤمن ويستغفر من الكفر لما عذَّبهم، كقوله تعالى:
{ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ } [هود: 117] ولكنهم لا يستغفرون، ولا يؤمنون ولا يتوقَّع ذلك منهم. وهذا المعنى الذي ذكره منقولٌ عن قتادة، وأبي زيد، واختاره ابنُ جريرٍ.
فصل
قال أبُو العباس المقرىءُ: ورد لفظ "في" في القرآن بإزاء ستَّةِ أوجه:
الأول: بمعنى "مع" كهذه الآية، وقوله تعالى:
{ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ ٱلصَّالِحِينَ } [النمل: 19] أي: مع عبادك، ومثله: { فَٱدْخُلِي فِي عِبَادِي } [الفجر: 29].
الثاني: بمعنى "على". قال تعالى
{ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ } [طه: 71] أي: على جذوع النخل، ومثله: { أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ } [الطور: 38]. أي: عليه.
الثالث: بمعنى "إلى" قال تعالى
{ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا } [النساء: 97] أي: إليها.
الرابع: بمعنى "عن" قال تعالى:
{ وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ } [الإسراء: 72] أي: عن هذه الآيات.
الخامس: بمعنى "من" قال تعالى:
{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ } [النحل: 89] أي: مِنْ كل أمة "شَهِيداً".
السادس: بمعنى "عند" قال تعالى
{ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـٰذَا } [هود: 62].
فصل
اختلفوا في معنى هذه الآيةِ: فقال محمدُ بنُ إسحاق: هذا حكايةٌ عن المشركين، وهذه الآية متصلة بالآية التي قبلها، وذلك أنَّهُم كانوا يقولون إنَّ الله لا يعذبنا ونحن نستغفره، ولا يعذب الله أمة ونبيها معها، فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم يُذكِّره جهالتهم وغرتهم قال: { وَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ }[الأنفال: 32] الآية وقال { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [الأنفال: 33] ثم قال ردّاً عليهم { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ } وإن كنت بين أظهرهم، وإن كانوا يستغفرون { وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ }.
وقال آخرون: هذا الكلام مستأنف يقول الله إخباراً عن نفسه: { وما كان الله ليعذبهم } واختلفوا في تأويلها.
فقال الضحاكُ، وجماعة: تأويلها: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم مُقيم بين أظهرهم، قالوا: نزلت هذه الآية على النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو مقيم بمكَّةَ ثمَّ خرج من بين أظهرهم وبقيت بها بقيَّة من المسلمين يستغفرون الله؛ فأنزل اللَّهُ { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } ثم خرج أولئك من بينهم فعُذِّبوا وأذن اللَّهُ في فتح مكَّة، وهو العذاب الأليم الذي وعدهم اللَّهُ.
قال ابن عباس "لم يعذِّب الله قريةً حتى يخرج النبي منها، والذين آمنوا ويلحق بحيث أمرَ".
قال أبو موسى الأشعريُّ: كان فيكم أمانان: { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } فأمَّا النبي صلى الله عليه وسلم فقد مضى، والاستغفار كائن فيكم إلى يومِ القيامةِ.
فإن قيل: لمَّا كان حضوره مانعاً من نزول العذاب بهم، فكيف قال:
{ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ } [التوبة: 14]؟
فالجوابُ: المرادُ من الأوَّلِ عذاب الاستئصال، ومن الثاني: العذاب الحاصل بالمحاربة والمقاتلة.
وقال السديُّ: { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } أي: لو استغفروا، ولكنهم لم يكونوا مستغفرين ولو أقرُّوا بالذَّنب واستغفروا لكانوا مؤمنين.
وقال عكرمةُ: "وهُمْ يَستَغْفرُونَ" يسلمون، يقول: لو أسلموا لما عذبوا، وروى الوالبي عن ابن عبَّاسٍ: أي: وفيهم من سبق له من الله أنه يؤمن ويستغفر كأبي سفيان، ومصعب بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو وحكيم بن حزام، وغيرهم.
وروى عبد الوهاب عن مجاهدٍ: "وهُمْ يستغْفِرُونَ" أي: وفي أصلابهم من يستغفر.
قوله تعالى: { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ } الآية.
في "أن" وجهان:
أظهرهما: أنَّها مصدريةٌ، وموضعها إما نصبٌ، أو جرٌّ؛ لأنَّها على حذف حرف الجر، إذ التقدير: في ألاَّ يُعذِّبهم، وهذا الجارُّ متعلقٌ بما تعلَّق به: "لَهُمْ" من الاستقرار، والتقديرُ: أيَّ شيءٍ استقر لهم في عدم تعذيبِ اللَّهِ إياهم؟ بمعنى: لا حظ لهم في انتفاء العذاب.
والثاني: أنَّها زائدةٌ وهو قول الأخفش.
قال النَّحَّاسُ: لو كانت كما قال لرفع "يُعذِّبهم". يعني النَّحاس: فكان ينبغي أن يرتفع الفعلُ على أنه واقعٌ موضع الحال، كقوله:
{ وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِٱللَّهِ } [المائدة: 84] ولكن لا يلزمُ من الزيادةِ عدمُ العمل، ألا ترى: أنَّ "مِنْ" و "الباء" يعملان وهما مزيدتان.
وقال أبُو البقاءِ: "وقيل هو حال، وهو بعيدٌ، لأنَّ "أنْ" تُخلِّص الفعل للاستقبال"
والظَّاهرُ أنَّ "ما" في قوله "وَمَا لهُمْ" استفهامية، وهو استفهامٌ معناه التقرير، أي: كيف لا يُعذَّبُونَ وهم مُتَّصفون بهذه الحال؟.
وقيل: "ما" نافية، فهي إخبارٌ بذلك، أي: ليس عدمُ التَّعذيب، أي: لا ينتفي عنهم التعذيب مع تلبسهم بهذه الحال.
فصل
معنى الآية: وما يمنعهم من أن يعذبوا، أي: بعد خروجك من بينهم: { وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } أي: يمنعون المؤمنينَ من الطَّواف، وقيل: أراد بالعذاب بالأوَّلِ عذاب الدُّنيا، وبهذا عذاب الآخرة.
وقال الحسن: قوله { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ } [الأنفال: 33] منسوخة بقوله { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ } [الأنفال: 34].
قوله { وَمَا كَانُوۤاْ أَوْلِيَآءَهُ } في هذه الجملة وجهان:
أحدهما: أنَّها استئنافيةٌ، والهاء تعود على المسجد أي: وما كانُوا أولياءَ المسجد.
والثاني: أنَّها نسقٌ على الجملة الحاليَّة قبلها وهي: "وهُم يَصُدُّونَ" والمعنى: كيف لا يُعذِّبهُم اللَّه، وهم مُتَّصفون بهذين الوَصْفيْنِ: صدِّهم عن المسجد الحرام، وانتفاءِ كونهم أولياءه؟ ويجوزُ أن يعود الضَّميرُ على الله تعالى، أي: لم يكونوا أولياءَ الله.
فصل
قال الحسن: كان المشركون يقولون: نحن أولياء المسجد الحرامِ، فردَّ الله عليهم بقوله: { وما كانُوا أوْلياءَهُ } أي: أولياء البيت: "إنْ أوْلياؤُهُ" أي: ليس أولياء البيت "إلاَّ المُتَّقُون" يعني المؤمنين الذين يتَّقُون الشرك، ويحترزون عن المنكرات، كالذي كانوا يفعلونه عند البيت، فلهذا قال بعده: { وما كَانَ صلاتُهُمْ عندَ البيتِ إِلاَّ مُكاءً وتصْدِيَةً } ولكن أكثرهم لا يعلمون.