قوله تعالى: { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ }.
الأبرار: الذين بروا، وصدقوا في إيمانهم بأداء فرائض الله تعالى، واجتناب معاصيه.
فصل في ذكر أحوال العالمين
لما وصف تعالى الكرام الكاتبين لأعمال العباد، ذكر أحوال العالمين، وقسمهم قسمين، فقال تعالى: { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ } وهو نعيم الجنَّة، { وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } وهو النَّار، وهذا تهديد عظيم للعُصاةِ، وهذا التقسيم كقوله تعالى: { { فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ } [الشورى: 7].
قوله: { يَصْلَوْنَهَا }: يجوز فيه أن يكون حالاً من الضمير في الجار، لوقوعه خبراً، وأن يكون مستأنفاً.
وقرأ العامة: "يَصْلونهَا" مخففاً مبنياً للفاعل وتقدم مثله.
ومعنى { يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ ٱلدِّينِ } يدخلونها يوم القيامة.
{ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَآئِبِينَ } أي: ليسُوا غائبين عن استحقاق الكون في الجحيم، ثم عظَّم ذلك اليوم فقال: { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدِّينِ } ثم كرره تعجيباً لشأنه، فقال: { ثُمَّ مَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدِّينِ }.
وقال ابن عباس: كلُّ ما في القرآن من قوله: "وما أدراك" فقد أدراه، وكل شيء من قوله: "وما يدريك" فقد طوي عنه.
قوله: { يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ }.
قرأ ابن كثير وأبو عمرو: برفع "يومُ" على أنَّه خبر مبتدأ مضمر, أي: هو يوم.
وجوز الزمخشريُّ: أن يكون بدلاً مما قبله يعني قوله: "يوم الدَِّين".
وقرأ أبو عمرو في رواية: "يومٌ": مرفوعاً منوناً على قطعه عن الإضافة، وجعل الجملة نعتاً له، والعائد محذوف، أي: لا تملك فيه.
وقرأ الباقون: "يوم" بالفتح.
فقيل: هي فتحة إعراب، ونصبه بإضمار أعني، أو يتجاوزون، أو بإضمار اذكر، فيكون مفعولاً به، وعلى رأي الكوفيين يكون خبراً لمبتدأ مضمر، وإنَّما بني لإضافته للفعل وإن كان معرباً، كقوله تعالى: { { هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ } [المائدة: 119].
قال الزجاج: يجوز أن يكون في موضع رفع إلا أنه يبنى على الفتح؛ لإضافته إلى قوله تعالى: { لاَ تَمْلِكُ }، وما أضيف إلى غير المتمكن، فقد يبنى على الفتح، وإن كان في موضع رفع، أو جرٍّ كما قال: [المنسرح]
5125- لَمْ يَمْنَعِ الشُّربَ غير أن نَطقتْ حَمامَةٌ ……......………..
قال الواحدي: والذي ذكره الزجاج من البناء على الفتح، إنَّما يجوز عند الخليل وسيبويه إذا كانت الإضافة إلى الفعل الماضي؛ نحو قوله: [الطويل]
5126- عَلَــى حِيــنَ عَاتَبْــتُ...…. …………………….
البيت: أمَّا مع الفعل المستقبل، فلا يجوز البناء عندهم، ويجوز البناء في قول الكوفيين.
قال ابن الخطيب: وذكر أبو عليٍّ أنَّه منصوبٌ على الظرفية؛ لأن اليوم لما جرى في أكثر الأمر ظرفاً، فنزل على حالة الأكثرية، والدليلُ عليه إجماع القراء في قوله تعالى: { { مِّنْهُمُ ٱلصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذٰلِكَ } [الأعراف: 168]، ولا يدفع ذلك أحد، ومما يقوِّي النصب قوله تعالى: { { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْقَارِعَةُ يَوْمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ } [القارعة: 3، 4]، وقوله تعالى: { { يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدِّينِ يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } [الذاريات: 12، 13]، فالنصب في "يَوْمَ لا تَمْلِكُ" مثل هذا.
فصل فيمن استدل بالآية على نفي الشفاعة عن العصاة.
تمسَّكوا بهذه الآية في نفي الشفاعة للعصاة، وهو قوله تعالى: { { وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً } [البقرة: 48] وقد تقدم الجواب عنه في سورة البقرة.
قال مقاتلٌ: يعني النفس الكافرة شيئاً من المنفعة.
{ وَٱلأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } أي: لم يملِّك الله - تعالى - في ذلك اليوم أحداً شيئاً كما ملَّكهم في الدنيا.
ورى الثعلبي عن أبيٍّ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَرَأ { إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنفَطَرَتْ } أعْطَاهُ الله مِنَ الأجْرِ بعدَدِ كُلِّ قَبْرٍ حَسَنةً، وبِعددِ كُلِّ قَطْرة مَاءٍ حَسنةً، وأصْلحَ اللهُ تعالى لَهُ شَأنهُ" . ولا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم.