التفاسير

< >
عرض

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ
٨
لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ
٩
فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ
١٠
لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً
١١
فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ
١٢
فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ
١٣
وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ
١٤
وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ
١٥
وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ
١٦
-الغاشية

اللباب في علوم الكتاب

قوله: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ }. أي: ذات نعمة، وهي وجوه المؤمنين، نعمت بما عاينت من عاقبة أمرها.
وقيل: ذات بهجة وحسن، لقوله تعالى:
{ { تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ } [المطففين: 24]، أي: متنعمة "لِسَعْيهَا"، أي: لعملها الذي عملته في الدنيا "راضيةٌ" في الآخرة حين أعطيت الجنة بعملها، وفيها واو مضمرة، والتقدير: ووجوه يومئذ، ليفصل بينها، وبين الوجوه المتقدمة، والوجوه عبارة عن الأنفس.
{ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ } أي: مرتفعة؛ لأنها فوق السماوات.
وقيل: عالية القدر، لأن فيها ما تشتهي الأنفس وتلذُّ الأعين.
قوله: { لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً }.
قرأ ابن كثيرٍ وأبو عمرو: بالياء من تحت مضمومة؛ على ما لم يسم فاعله، "لاغية" رفعاً لقيامه الفاعل.
وقرأ نافع كذلك إلا أنه بالتاء من فوق، والتذكير والتأنيث واضحان؛ لأن التأنيث مجازي.
وقرأ الباقون: بفتح التاء من فوق، ونصب: "لاغية"، فيجوز أن تكون التاء للخطاب، أي: لا تسمع أنت، وأن تكون للتأنيث، أي: لا تسمع الوجوه.
وقرأ الفضلُ والجحدري: "لا يَسْمَعُ" بياء الغيبة مفتوحة "لاغيةً" نصباً، أي: لا يسمع فيها أحد.
و "لاغية" يجوز أن تكون صفة لكلمة على معنى: النسب، أي: ذات لغو، أو على إسناد اللغو إليها مجازاً، وأن تكون صفة لجماعة: أي: جماعة لاغية، وأن تكون مصدراً، كالعافية والعاقبة، كقوله:
{ { لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً } [الواقعة: 25]، واللَّغْوُ: اللَّغَا واللاغية بمعنى واحد؛ قال الشاعر: [الرجز]

5185- عَـــنِ اللَّغَـــا ورفَــثِ التَّكـلُّــمِ

قال الفراء والأخفش: أي: لا تسمع فيها كلمة لغوٍ.
والمراد باللغو: ستة أوجه:
أحدها: كذباً وبهتاناً وكفراً بالله عز وجل، قاله ابن عباس.
الثاني: لا باطل ولا إثم، قاله قتادة.
الثالث: أنه الشتم، قاله مجاهد.
الرابع: المعصية، قاله الحسن.
الخامس: لا يسمع فيها حالف يحلف بكذب، قاله الفراء.
وقال الكلبي: لا يسمع في الجنة حالف بيمين برّة ولا فاجرة.
السادس: لا يسمع في كرمهم كلمة لغوٍ؛ لأن أهل الجنَّة لا يتكلمون إلا بالحكمة، وحمد الله على ما رزقهم من النعيم الدائم. قاله الفراء، وهو أحسن الأقوال، قاله القفال والزجاج.
قوله: { فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ }. أي: بماء مندفق، وأنواع الأشربة اللذيذة على وجه الأرض من غير أخدود.
قال الزمخشريُّ: يريد عيوناً في غاية الكثرة، كقوله تعالى:
{ { عَلِمَتْ نَفْسٌ } [الانفطار: 5].
قوله: { فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ }، أي: عالية في الهواء.
{ وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ } والأكواب: الكيزان التي لا عُرى لها، والإبريق: هو ما له عروةٌ وخرطوم، والكوب: ما ليس له عروةٌ وخرطوم.
وقوله: { مَّوْضُوعَةٌ } أي: معدة لأهلها.
وقيل: موضوعة على حافات العين الجارية.
وقيل: موضوعة بين أيديهم لاستحسانهم إياها، لكونها من ذهب، وفضة، وجوهر، وتلذذهم بالشرب منها.
وقيل: موضوعة عن حد الكبر، أي هي أوساط بين الصغر والكبر، كقوله تعالى:
{ { قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } [الإنسان: 16].
قوله: { وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ }، النمارق جمع "نمرق" وهي الوسادة قالت:

5186أ- نَحْــــنُ بَنـــاتُ طَــــارِقْ نَمْشِـــي عَلَـــى النَّمَـــارِقْ

وقال الشاعر:

5186ب- كُهُولٌ وشُبَّانٌ حِسانٌ وجُوههُمْ عَلى سُررٍ مَصْفوفَةٍ ونَمارِقِ

والنمرق والنمرقة: وسادةٌ صغيرة.
والنمرق: بضم النون والراء وكسرهما لغتان؛ أشهرهما الأولى.
قوله: { وَزَرَابِيُّ }: جمع "زَرْبيَّة" [بفتح الزاي وكسرها] لغتان مشهورتان، وهي البسط العراض.
وقيل: ما له منها خملة. قال أبو عبيدة: "الزَّرَابِيُّ": الطنافس التي لها خمل رقيق، واحدتها: زَرْبيّة.
قال الكلبيُّ والفراءُ"المَبْثُوثَة": المبسوطة.
وقال عكرمةُ: بعضها فوق بعض.
وقال الفراء: كثيرة.
وقال القتبي: متفرقة في المجالس.
قال القرطبي: وهذا أصح، فهي كثيرة متفرقة، ومنه قوله تعالى:
{ { وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ } [البقرة: 164].
وقال أبو بكر بنُ الأنباريِّ: وحدَّثنا أحمدُ بنُ الحُسينِ، قال: حدثنا حُسَيْنُ بنُ عرفةَ قال: حدثنا عمَّار بنُ محمدٍ، قال: صليت خلف منصور بنِ المعتمرِ، فقرأ: { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْغَاشِيَةِ } وقرأ: { وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ }: متكئين فيها ناعمين.