التفاسير

< >
عرض

إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ
٢٥
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ
٢٦
-الغاشية

اللباب في علوم الكتاب

قوله: { إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ }، أي: رجوعهم بعد الموت: والعامة: على تخفيف الياء، مصدر: آب، يئوب، إياباً، أي: رجع، كقام يقوم قياماً؛ قال عبيدٌ: [مخلع البسيط]

5188- وكُـلُّ ذِي غِيْبَــةٍ يَئُــوبُ وغَائِــبُ المَـوْتِ لا يَئُــوبُ

وقرأ أبو جعفر وشيبة بتشديدها.
قال أبو حاتمٍ: لا يجوز التشديد، ولو جاز جاز مثله في الصيام والقيام.
وقيل: لغتان بمعنى.
قال شهابُ الدين: وقد اضطربت فيها أقوال التصريفيّين.
فقيل: هو مصدر لـ "أيَّبَ" على وزن "فَيْعَل" كـ "بَيْطَر" يقال منه: "أيَّبَ يُؤيبُ إيَّاباً" والأصل: أيْوبَ يُؤيوبٌ إيواباً كـ "بَيْطَرَ يُبَيْطِرُ"، فاجتمعت الواو والياء في جميع ذلك، وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء المزيدة فيها، فـ "إيَّابَ" على هذا "فِيعَال".
وقيل: بل هو مصدر لـ "أوَّبَ" بزنة "فَوْعَلَ" كـ "حَوْقَلَ"، والأصل: "إوْوَاب" بواوين، الأولى: زائدة، والثانية: عين الكلمة، فسكنت الأولى بعد كسرة، فقلبت ياء، فصارت: "إيواباً"، فاجتمعت ياء وواو، وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأدغمت في الياء بعدها، فوزنه "فِيعَال" كـ "حِيقَال"، والأصل: "حِوقَال".
وقيل: بل هو مصدر لـ "أوَّبَ"، على وزن "فَعْوَل"، كـ "جَهْور"، والأصل: "إوْوَاب" على ومن "فِعْوَال"، كـ "جِهْوَار"، والأولى عين الكلمة، والثانية زائدة، وفعل به ما فعل بما قبله من القلب والإدغام، للعلل المتقدمة، وهي مفهومة مما مرَّ.
فإن قيل: الإدغام مانعٌ من قلب الواو ياء.
قيل: إنما يمنع إذا كانت الواو والياء عينان، وقد عرفت أن الياء في "فَيْعَل"، والواو في "فَوْعَل، وفَعْوَل" زائدتان.
وقيل: بل هو مصدر لـ "أوَّبَ" بزنة: "فعَّل" نحو: "كذَّبَ كِذَّاباً"، والأصل: "إوَّاب" قلبت الواو الأولى ياء لانكسار ما قبلها، فقيل: "إيواباً".
قال الزمخشريُّ: كديوان في "دِوَّان"، ثم فعل به ما فعل بـ "سيِّد وميِّت"، يعني أصله: سَيْود، فقلبت وأدغم، وإلى هذا نحا أبو الفضل أيضاً.
إلاَّ انَّ أبا حيَّان ردَّ ما قالاه: بأنهم نصُّوا على أن الواو الموضوعة على الإدغام وجاء ما قبها مكسوراً، فلا تقلب الواو الأولى ياء لأجل الكسرة، قال: ومثلوا بنفس "إوَّاب" مصدر: "أوَّبَ" مشدداً، وبـ "اخرواط"، مصدر "اخروَّطَ" قال: وأما تشبيه الزمخشري بـ "ديوان"، فليس بجيد؛ لأنهم لم ينطقوا بها الوضع مدغمة، ولم يقولوا: "دوان"، ولولا الجمع على: "دواوين" لم يعلم أن أصل هذه الياء واو، وقد نصوا على شذوذ: "ديوان"، فلا يقاس عليه غيره.
قال شهاب الدين: أما كونهم لم ينطقوا بـ "دوان"، فلم يلزم منه رد ما قاله الزمخشري، ونص النحاة على أن أصل "ديوان": "دِوَّان"، و "قيراط": "قِرَّاط" بدليل الجمع على "دواوين وقراريط" وكونه شاذًّا لا يقدح؛ لأنه لم يذكره مقيساً عليه، بل منظراً به.
وذهب مكي إلى نحو من هذا، فقال: وأصل الياء: واو، ولكن انقلبت ياء لانكسار ما قبلها، وكان يلزم من شدد أن يقول: إوَّابهم؛ لأنه من الواو، أو يقول: إيوابهم، فيبدل من الأول المشدد ياء، كما قالوا "ديوان" وأصله: "دوان". انتهى.
وقيل: هو مصدر لـ "أوَّب" بزنة: "أكْرمَ" من الأوب، والأصل "إواب"، كـ "إكرام"، فأبدلت الهمزة الثانية ياء لسكونها بعد همزة مكسورة، فصار اللفظ "إيواباً"، اجتمعت الواو والياء على ما تقدم, فقلب, وأدغم, ووزنه: "إفْعَال" وهذا واضح.
وقال ابن عطية في هذا الوجه: سهلت الهمزة, وكان الإدغام يردها "إواباً", لكن استحسنت فيه الياء على غير قياس. انتهى.
وهذا ليس بجيد، لما عرفت من أنه لما قلبت الهمزة ياء، فالقياس أن تفعل ما تقدم منقلب الواو إلى الياء من دون عكس.
قال شعاب الدين: "وإنَّما ذكرت هذه الأوجه مشروحة، لصعوبتها، وعدم من يمعن النظر في مثل هذه المواضع القلقةِ، وقدم الخبر في قوله: "إلَيْنَا، وعَلَيْنَا" مبالغة في التشديد في الوعيد". والله أعلم.
روى الثَّعلبيُّ في تفسيره عن أبيّ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"مَنْ قَرَأ سُورة الغَاشِيَةِ حَاسبهُ اللهُ حِسَاباً يَسِيْراً" .