التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ
١
وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ
٢
ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ
٣
وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ
٤
فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً
٥
إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً
٦
فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ
٧
وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرْغَبْ
٨
-الشرح

اللباب في علوم الكتاب

قوله تعالى: { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ }، الاستفهام إذا دخل على النفي قرره، فصار المعنى: قد شرحنا، ولذلك عطف عليه الماضي، ومثله: { { أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ } [الشعراء: 18]، والعامة: على جزم الحاء بـ "لَمْ".
وقرأ أبو جعفر المنصور: بفتحها.
فقال الزمخشري: وقالوا: لعلَّهُ بين الحاء، وأشبعها في مخرجها فظن السامع أنه فتحها.
وقال ابن عطية: إن الأصل: "ألَمْ نَشْرحَنْ" بالنون الخفية، ثم أبدلها ألفاً ثم حذفها تخفيفاً كما أنشد أبو زيد: [الرجز]

5245- مِنْ أيِّ يَوميَّ مِنَ المَوْتِ أَفِرْ أيَـوْمَ لَـمْ يقْـدرَ أمْ يَــوْمَ قُــدِرْ

بفتح راء: "يقدر" وكقوله: [المنسرح]

5246- إضْرِبَ عَنْكَ الهُمُومَ طَارقهَا ضَرْبكَ بالسَّيْفِ قَوْنسَ الفَرسِ

بفتح باء "اضرب" انتهى. وهذا مبني على جواز توكيد المجزوم بـ "لم"، وهو قليل جداً، كقوله: [الرجز]

5247- يَحْسبهُ الجَاهِلُ مَا لَمْ يَعْلمَا شَيْخـاً عَلـى كُرْسيِّــهِ مُعَمَّمَــا

فتتركب هذه القراءة من ثلاثة أصول كلها ضعيفة، لأن توكيد المجزوم بـ "لَمْ" ضعيف، وإبدالها ألفاً إنما هو في الوقف، فاجراء الوصل مجرى الوقف خلاف الأصل، وحذف الألف ضعيف؛ لأنه خلاف الأصل.
وخرجه أبو حيان على لغة خرجها اللحياني في "نوادره" عن بعض العرب، وهو أن الجزم بـ "لَنْ" والنصب بـ "لَمْ" عمس المعروف عند الناس، وجعله أحسن مما تقدم.
وأنشد قول عائشة بنت الأعجم تمدح المختار تطلب ثأر الحسين بن علي رضي الله عنهما وعن بقية الصحابة أجمعين: [البسيط]

5248- قَدْ كَان سُمْكُ الهُدَى يَنْهَدُّ قَائمهُ حتَّى أبِيحَ لـهُ المُختـارُ فانْغَمَدَا
فِـي كُـلِّ مـا هَمَّ أمْضَــى رأيـهُ قُدُمــاً ولَـمْ يُشــاوِرَ فـي إقْـدامـهِ أحَـدَا

[بنصب راء "يشاور"، وجعله محتمل للتخريجين. وشرح الصدر: فتحه؛ أي ألم تفتح صدرك للإسلام.
وقال ابن عباس: ألم تلين قلبك وعن الحسن في قوله: ألم نشرح، وقال مكي: حلماً وعلماً].
وشرح الصدر: فتحه: روي أن جبريل - عليه السلام - أتاه وشق صدره، وأخرج قلبه، وغسله وأنقاه من المعاصي، ثم ملأه علماً، وإيماناً، ووضعه في صدره، وطعن القاضي في هذه الرواية من وجوه:
أحدها: أن هذه الواقعة إنما وقعت حال صغرهِ صلى الله عليه وسلم وذلك من المعجزات فلا يجوز أن يتقدم بثبوته.
وثانيها: أن تأثير الغسل في إزالة الأجسام، والمعاصي ليست بإجرام فلم يؤثر الغسل فيها.
وثالثها: أنه لا يصح أن يملأ القلب علماً، بل الله تبارك وتعالى يخلق فيه العلوم.
وأجيب عن الأول: بأن تقديم المعجزات على زمان البعثة جائز، وهو المسمى بالإرهاص، ومثله في حق الرسول صلى الله عليه وسلم كثير.
وعن الثاني، والثالث: لا يبعد أن يكون حصول ذلك الدم الأسود الذي غسلوه من قلب الرسول - عليه الصلاة والسلام - ميل القلب إلى المعاصي وإحجامه عن الطاعات، فإذا أزالوه عنه كان ذلك علامة لمواظبة صاحبه على الطاعات، واحترازه عن السيئات، فكان ذلك، كالعلامة للملائكة على عصمة صاحبه.
وأيضاً فإن الله تعالى يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد.
روى ابن عباس - رضي الله عنهما - أنهم قالوا:
"يا رسول الله، أينشرح الصدر؟.
قال: نعم وينفسح، قالوا: يا رسول الله، وهل لذلك علامة؟.
قال: نعم، التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاعتداد للموت قبل نزول الموت"
.
قال القرطبيُّ: معنى { أَلَمْ نَشْرَحْ } قد شرحنا، و "لَمْ" جحد، وفي الاستفهام طرف من الجحد وإذا وقع جحد، رجع إلى التحقيق، كقوله تعالى: { { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَاكِمِينَ } [التين: 8]، ومعناه: الله أحكم الحاكمين، وكذا { { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } [الزمر: 36]، ومنه قول جرير يمدح عبد الملك بن مروان: [الوافر]

5249- ألَسْتُـمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المَطايَــا وأنْـدَى العَالمِيـنَ بُطُــونَ رَاحِ

المعنى: أنتم كذا.
فإن قيل: لم قال عز وجل: { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } فذكر الصدر ولم يذكر القلب؟.
فالجوابُ: لأن محلَّ الوسوسة هو الصَّدر على ما قال تعالى:
{ { يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } [الناس: 5] فإبدال تلك الوسوسة بدواعي الخير هو الشرح، فلذلك خص الشرح بالصدر دون القلب.
وقيل: الصدر حضن القلب، فيقصده الشبطان، فإن وجد مسلكاً أغار فيه، وبث جنده فيه وبث فيه الغموم، والهموم والحرص، فيقسو القلب حينئذ، ولا يجد للطاعة لذة، ولا للإسلام حلاوةً، فإذا طرد في الابتداء حصل الأمن، وانشرح الصدر.
فإن قيل: لِمَ قال: { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } ولم يقل: "ألَمْ نَشْرَحْ صَدْرَك"؟.
فالجوابُ: كأنه تعالى يقول: لام بلام، فأنت إنما تفعل الطاعات لأجلي، وأنا أيضاً جميع ما أفعله لأجلك.
فصل فيمن اعتبر "والضحى"، و "ألم نشرح" سورة واحدة
روي عن طاوس، وعمر بن عبد العزيز أنهما كانا يقرآن: "والضُّحَى"، و { أَلَمْ نَشْرَحْ } سورة واحدة، وكانا يقرآنها في ركعة واحدة، ولا يفصلان بينهما بـ "بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ"، وذلك لأنهما رأيا أن أولهما يشبه قوله تعالى: { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَىٰ }. وليس كذلك، لأن حالة اغتمامه صلى الله عليه وسلم بإيذاء الكفار، فهي حالة محنةٍ وضيق، وهذه حالة انشراح الصدر، وطيب القلبِ فكيف يجتمعان؟.
قوله: { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ }، أي: حططنا عنك ذنبك.
وقرأ أنس - رضي الله عنه - وحللنا وحططنا.
وقرأ ابن مسعود: "وَحَلَلْنَا عَنْكَ وقْرَكَ". وهذه الآية مثل قوله:
{ { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } [الفتح: 2].
قيل: الجميع كانوا قبل النبوة، أي: وضعنا عنك ما كنت فيه من أمر الجاهلية؛ لأنه كان صلى الله عليه وسلم كان في يسر من مذاهب قومه، وإن لم يكن عبد صنماً، ولا وثناً.
قوله: { ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ }، أي: حمله على النقض، وهو صوت الانتقاض والانفكاك لثقله، مثل لما كان يثقله صلى الله عليه وسلم.
قال أهل اللغة: أنقض الحمل ظهر الناقة: إذا سمعت له صريراً من شدة الحمل، وسمعت نقيض الرجل أي صريره؛ قال العبَّاس بن مرداسٍ: [الطويل]

5250- وأنْقضَ ظَهْرِي ما تطَوَّيْتُ مِنهُم وكُنْتُ عَليْهِمْ مُشْفِقاً مُتَحَنِّنَا

وقال جميلٌ: [الطويل]

5251- وحتَّى تَداعَتْ بالنَّقيضِ حِبالـهُ وهَمَّتْ بَوانِي زَوْرهِ أنْ تُحطَّمَا

والمعنى: أثقل ظهرك حين سمع نقيضه، أي: صوته.
والوِزْرُ: الحمل الثقيل.
قال المحاسبيُّ: يعني: ثقل الوزر لو لم يعفُ الله عنه.
قال: وإنما وُصفتْ ذنوبُ الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - بهذا الثقل مع كونها مغفورة لشدة اهتمامهم بها، وندمهم منها، وتحسرهم عليها [وقال الحسين بن الفضل: يعني الخطأ والسهو.
وقيل: ذنوب أمتك اضافها إليه لاشتغال قلبه بها].
وقال عبد العزيز بن يحيى وأبو عبيدة: خففنا عنك أعباء النبوة، والقيام بها، حتى لا تثقل عليك.
وقيل: كان في الابتداء يثقل عليه الوحي، حتى كاد يرمي نفسه من شاهق الجبل، إلى أن جاء جبريل - عليه السلام - وأزال صلى الله عليه وسلم عنه ما كان يخاف من تغير العقل.
وقيل: عصمناك عن احتمال الوِزْر، وحفظناك قيل النبوة في الأربعين من الأدناس، حتى نزل عليه الوحي، وأنت مطهَّر من الأدناس.
قوله: { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ }، قال مجاهد: يعني بالتأذين.
وروى الضحاك عن ابن عباس - رضي الله عنهم - يقول عز وجل له: لا ذكرت إلا ذكرت معي في الأذان، والإقامة، والتشهد، ويوم الجمعة على المنابر، ويوم الفطر، ويوم الأضحى، وأيام التشريق ويوم عرفة، وعند الجمار وعلى الصفا والمروة وفي خطبة النكاح، وفي مشارق الأرض ومغاربها. ولو أن رجلاً عبد الله تعالى، وصدق بالجنة والنار وكل شيءٍ ولم يشهد أن محمداً رسول الله لم ينتفع شيء وكان كافراً.
وقيل: أعلينا ذكرك، فذكرناك في الكتب المنزلة على الأنبياء قبلك، وأمرناهم بالبشارة بك، ولا دين إلا ودينك يظهر عليه.
وقيل: رفعنا ذكرك عند الملائكة في السماء وفي الأرض عند المؤمنين، ونرفع في الآخرة ذكرك بما نعطيك من المقام المحمود، وكرائم الدرجات. وقيل: عام في كل ذكر.
قوله: { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } العامة، على سكون السين في الكلم الأربع.
وابن وثَّاب وأبو جعفر وعيسى: بضمها، وفيه خلاف، هل هو أصل، أو منقول من المسكن؟ والألف واللام في العسر الأول لتعريف الجنس، وفي الثاني للعهد، وكذلك روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - لن يغلب عسرٌ يسرين وروي أيضاً مرفوعاً أنه صلى الله عليه وسلم خرج يضحك يقول:
"لن يغلب عسر يسرين" والسبب فيه أن العرب إذا أتت باسم، ثم أعادته مع الألف واللام، كان هو الأول، نحو: جاء رجل فأكرمتُ الرجل، وقوله تعالى: { { كَمَآ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصَىٰ فِرْعَوْنُ ٱلرَّسُولَ } [المزمل: 15، 16]، ولو أعادته بغير ألف ولام كان غير الأول، فقوله تعالى: { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } لما أعاد العسر الثاني أعاده بـ "أل"، ولما كان اليُسْر الثاني غير الأول لم يعده بأل.
وقال الزمخشريُّ: فإن قلت: ما معنى قول ابن عبَّاس؟ وذكر ما تقدم.
قلت: هذا عمل على الظاهر، وبناء على قوة الرجاء، وأن موعد الله تعالى لا يحمل إلا على أوفى ما يحتمله اللفظ، وأبلغه، والقول فيه أنه يحتمل أن تكون الجملة الثانية تكريراً للأولى كما كرر قوله: { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } لتقرير معناها في النفوس، وتمكنها في القلوب، وكما يكرر المفرد في قوله: "جاء زيد زيد"، وأن تكون الأولى عدة بأن العسر مردوف بيُسْرٍ [لا محالة والثانية: عدة مستأنفة بأن العسر متبوع بيسر], فهما يسران على تقدير الاستئناف, وإنَّما كان العسر واحداً لأنه لا يخلو، إما أن يكون تعريفه للعهد، وهو العسر الذي كانوا فيه، فهو هو، لأن حكمه حكم زيد في قولك: "إن مع زيد مالاً، إن مع زيد مالاً"، وإما أن يكون للجنس الذي يعلمه كل أحد، فهو هو أيضاً، وأما اليسر، فمنكر متناول لبعض الجنس، فإذا كان الكلام الثاني مستأنفاً غير مكرر، فقد تناول بعضاً غير البعض الأول بغير إشكال.
قال أبو البقاء: العسر في الموضعين واحد؛ لأن الألف واللام توجب تكرير الأول، وأما يُسْراً في الموضعين، فاثنان، لأن النكرة إذا أريد تكريرها جيء بضميرها، أو بالألف واللام ومن هنا قيل: "لَنْ يَغْلِبَ عُسرٌ يُسرَيْنِ".
وقال الزمخشريُّ أيضاً فإن قلت: "إن "مَعَ" للصحبة، فما معنى اصطحاب اليسر والعسر؟ قلت: أراد أن الله - تعالى - يصيبهم بيسر بعد العسر الذي كانوا فيه بزمان قريب، فقرب اليسر المترقب، حتى جعله كالمقارن للعسر زيادة في التسلية، وتقوية للقلوب.
وقال أيضاً فإن قلت: فما معنى هذا التنكير؟.
قلت: التفخيم كأنه قيل: إنّ مع العسر يسراً عظيماً، وأي يسر، وهو في مصحف ابن مسعود مرة واحدة.
فإن قلت: فإذا أثبت في قراءته غير مكرر فلم قال: والذي نفسي بيده لو كان العسر في حجر لطلبه اليسر، حتى يدخل عليه، إنه لن يغلب عسر يسرين؟.
قلت: كأنه قصد اليسرين، وأما في قوله: "يُسْراً" من معنى التفخيم، فتأوله بيسر الدَّارين، وذلك يسران في الحقيقة.
فصل في تعلق هذه الآية بما قبلها
تعلق هذه الآية بما قبلها أن الله تعالى بعث نبيه صلى الله عليه وسلم فعيَّره المشركون بفقره، حتى قالوا له: نجمع لك مالاً، فاغتنم لذلك، وظن أنهم إنما رغبوا عن الإسلام لكونه فقيراً حقيراً عندهم، فعدد الله - تعالى - عليه منته بقوله تعالى: { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ }، أي: ما كنت فيه من أمر الجاهلية، ثم وعده بالغنى في الدنيا ليزيل في قلبه ما حصل فيه من التأذي، بكونهم عيَّروه بالفقر، فقال تعالى: { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } فعطفه بالفاء أي: لا يحزنك ما عيروك به في الفقر، فإن ذلك يسراً عاجلاً في الدنيا فأنجز له ما وعده، فلم يمت، حتى فتح عليه "الحجاز"، و "اليمن" ووسع عليه ذات يده، حتَّى كان يعطي الرجل المائتين من الإبل، ويهب الهبات السنية، وترك لأهله قوت سنته، وهذا وإن كان خاصاً بالنبي - عليه الصلاة والسلام - فقد يدخل فيه بعض أمته صلى الله عليه وسلم إن شاء الله تعالى، ثم ابتدأ فصلاً آخر من أمر الآخرة، فقال:
{ إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } فهذا شيء آخر، والدليل على ابتدائه، تعديه من فاء، وواو، وغيرهما من حروف النسق التي تدخل على العطف، فهذا عام لجميع للمؤمنين، { إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } للمؤمنين يسراً في الآخرة لا محالة، وربما اجتمع يسرُ الدنيا، ويسرُ الآخرة.
قوله: { فَإِذَا فَرَغْتَ }.
العامة: على فتح الراء: من "فَرغْتَ"، وهي الشهيرة.
وقرأها أبو السمال: مكسورة، وهي لغة فيه.
قال الزمخشري: "وليست بالفصيحة".
وقال الزمخشري أيضاً: "فإن قلت: كيف تعلق قوله تعالى: { فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ } بما قبله؟.
قلت: لما عدد عليه نعمه السالفة، ووعوده الآنفة، بعثه على الشكر، والاجتهاد في العبادة، والنصب فيها".
وعن ابن عباس: فإذا فرغت من صلاتك، فانصب في الدعاء.
العامة: على فتح الصَّاد وسكون الباء أمراً من النصب وقرىء: بتشديد الباء مفتوحة أمراً من الإنصاب.
وكذا قرىء بكسر الصاد ساكنة الباء، أمراً من النَّصْب بسكون الصاد.
قال شهاب الدين: ولا أظن الأولى إلا تصحيفاً، ولا الثانية إلا تحريفاً، فإنها تروى عن الإمامية وتفسيرها: فإذا فرغت من النبوة فانصب الخليفة.
وقال ابن عطية: وهي قراءة شاذةٌ، لم تثبت عن عالم.
قال الزمخشريُّ: ومن البدع ما روي عن بعض الرافضة، أنه قرأ: "فانْصِبْ" - بكسر الصاد - أي: فانصب علياً للإمامة، ولو صح هذا للرافضيِّ، لصحَّ للناصبي أن يقرأ هكذا، ويجعله أمراً بالنصب الذي هو بغض علي، وعداوته.
قال ابن مسعود: "إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل".
وقال الكلبيُّ: "إذا فرغت من تبليغ الرسالة فانصب، أي: استغفِرْ لذَنْبِكَ وللمُؤمنينَ والمُؤْمِنَات".
وقال الحسنُ وقتادة: "فإذا فرغت من جهاد عدوك فانصب لعبادة ربِّك".
قوله: { وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرْغَبْ }.
قرأ الجمهور: "فارْغَبْ" أمر من "رغبَ" ثلاثياً.
وقرأ زيد بن علي، وابن أبي عبلة: "فَرغِّبْ" بتشديد الغين، أمر من "رَغَّبَ" بتشديد الغين أي: فرغب الناس إلى طلب ما عنده.
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"مَنْ قَرَأ { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } فكأنما جاءني وأنا مغتم ففرج عني" . والله تعالى أعلم.