التفاسير

< >
عرض

يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ
٢٧
أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ
٢٨
جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ
٢٩
-إبراهيم

نظم الدرر في تناسب الآيات والسور

فلما برز الكلام إلى هذين المثالين، حصل التعجب ممن يترك ممثول الأول ويفعل ممثول الثاني، فوقع التنبيه على أن ذلك بفعل القاهر، فقال تعالى - جواباً لمن كأنه قال: إن هذا الصريح الحق، ثم إنا نجد النفوس مائلة إلى الضلال، وطائشة في أرجاء المحال، فكيف لنا بالامتثال؟ { يثبت الله } أي الذي له الجلال والجمال { الذين آمنوا } أي أوجدوا هذه الحقيقة ولو على أقل درجاتها { بالقول الثابت } أي الذي هو متابعة الدليل { في الحياة الدنيا } بمثل ما تقدم من محاولات أنبيائه { وفي الآخرة } ويهديهم عند كل سؤال إلى أحسن الأقوال حيث تطيش العقول وتدهش الأفكار لشدة الأهوال { ويضل الله } أي الذي له الأمر كله { الظالمين } أي العريقين في الظلم، ويزلزلهم لتقلبهم في الظلمات التي من شأن صاحبها الضلال والخبط، فيفعلون ما لا يرضاه عاقل، فالآية من الاحتباك: ذكر الثبات أولاً دليلاً على ضده ثانياً، والإضلال ثانياً دليلاً على الهدى أولاً { ويفعل الله } أي الذي له الأمر كله، فلا يسأل عما يفعل { ما يشاء } لأن الكل بحكمه وقضائه وهو القادر القاهر، فلا يتعجب من شيء، وفي هذا إرشاد إلى الإقبال عليه وإلقاء أزمّة الافتقار إليه؛ روى البخاري في التفسير وغيره ومسلم في أواخر صفة الجنة والنار عن البراء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:" "المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله" ، فذلك قوله تعالى { يثبت الله } الآية.
ولما أخبر سبحانه أنه هو الفاعل وحده، أتبعه الدليل عليه إضلال الذين بدلوا الكلمة الطيبة من التوحيد بالإشراك وزلزلتهم واجتثاث كلمتهم فقال: { ألم تر } وأشار إلى بعدهم عن مقامه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقوله: { إلى الذين بدلوا } والتبديل: جعل الشيء مكان غيره { نعمت الله } أي المستجمع لصفات الكمال التي أسبغها عليهم من كلمة التوحيد، وما أورثهم من دين أبيهم إسماعيل عليه السلام ومن جميع النعم الدنيوية من أمن البلد وتيسير الرزق وغير ذلك، بأن جعلوا مكان شكرها { كفراً } وهم يدعون أنهم أشكر الناس للإحسان، وأعلاهم همماً في الوفاء، وأبعدهم عن الخناء { وأحلوا قومهم } بذلك { دار البوار * } أي الهلاك، مع ادعائهم أنهم أذب الناس عن الجار فضلاً عن الأهل، روى البخاري في التفسير أنهم كفار أهل مكة. والبوار: الهلاك الزائد، والإحلال: جعل الشيء في محل، فإن كان جوهراً فهو إحلال مجاورة. وإن كان عرضاً فهو إحلال مداخلة.
ولما أفاد أنها مهلكة، بينها بما يفهم أنها تلقاهم بالعبوسة كما كانوا يلقون أولياء الله من الرسل وغيرهم بذلك فقال: { جهنم } حال كونهم { يصلونها } أي يباشرون حرها مع انغماسهم فيها بانعطافها عليهم؛ ولما كان التقدير: فبئس الإحلال أحلوه أنفسهم وقومهم، عطف عليه قوله: { وبئس القرار * } ذلك المحل الذي أحلوهم به.