التفاسير

< >
عرض

نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بِٱلْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى
١٣
وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلـٰهاً لَّقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً
١٤
هَـٰؤُلاۤءِ قَوْمُنَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً
١٥
-الكهف

نظم الدرر في تناسب الآيات والسور

ولما كان الكلام على اختلاف وقع في مدتهم، وكان الحزبان معاً هم ومن خالفهم متقاربين في الجهل بإحصائه على سبيل القطع وكان اليهود الذين أمروا قريشاً بالسؤال عن أمرهم تشكيكاً في الدين لا يعلمون أمرهم على الحقيقة، نبه على ذلك بقوله - جواباً لمن كأنه قال: أيهما أحصاه؟: { نحن } أو يقال: ولما أخبر الله سبحانه عن مسألة قريش الثانية، وهي قصة أهل الكهف، مجملاً لها بعض الإجمال بعد إجمال الجواب عن المسألة الأولى، وهي الروح، كان السامع جديراً بأن تستشرف نفسه إلى بيان أكثر من ذلك فيضيق صدره خشية الاقتصار على ما وقع من ذلك من الأخبار، فقال جواباً لمن كأنه قال: اسأل الإيضاح وبيان الحق من خلاف الحزبين: نحن { نقص } أي نخبر إخباراً تابعاً لآثارهم قدماً فقدماً { عليك } على وجه التفصيل { نبأهم بالحق } أي خبرهم العظيم وليس أحد غيرنا إلا قصاً ملتبساً بباطل: زيادة أو نقص، فكأنه قيل: ما كان نبأهم؟ فقال تعالى: { إنهم فتية } أي شبان { ءامنوا بربهم } المحسن إليهم الناظر في مصالحهم الذي تفرد بخلقهم ورزقهم، وهداهم بما وهب لهم في أصل الفطرة من العقول الجيدة النافعة.
ولما دل على الإحسان باسم الرب، وكان في فعله معهم من باهر القدرة ما لا يخفى، التفت إلى مقام العظمة فقال تعالى عاطفاً على ما تقديره: فاهتدوا بإيمانهم: { وزدناهم } بعد أن آمنوا { هدى } بما قذفنا في قلوبهم من المعارف، وشرحنا لهم صدورهم من المواهب التي حملتهم على ارتكاب المعاطب، والزهد في الدنيا والانقطاع إليه { وربطنا } بما لنا من العظمة { على قلوبهم } أي قويناها، فصار ما فيها من القوى مجتمعاً غير مبدد، فكانت حالهم في الجلوة كحالهم في الخلوة { إذ قاموا } لله تعالى حق القيام في ذلك الجيل الكافرين بين يدي طاغيتهم دقيانوس { فقالوا } مخالفين لهم: { ربنا } الذي يستحق أن نفرده بالعبادة لتفرده بتدبيرنا، هو { رب السماوات والأرض } أي موجدهما ومدبرهما { لن ندعوا من دونه إلهاً * } بعد أن ثبت عجز كل من سواه، والله { لقد قلنا إذاً } أي إذا دعونا من دونه غيره { شططاً } أي قولاً ذا بعد مفرط عن الحق جداً؛ ثم شرعوا يستدلون على كونه شططاً بأنه لا دليل عليه، ويجوز أن يكونوا لما قالوا ذلك عرض لهم الشيطان بشبهة التقليد فقالوا مجيبين عنها: { هؤلاء } وأن يكونوا قالوا ذلك للملك إنقاذاً له من شرك الجهل، وبين المشار إليهم بقولهم: { قومنا } أي وإن كانوا أسن منا وأقوى وأجل في الدنيا { اتخذوا } أي مخالفين مع منهاج العقل داعي الفطرة الأولى { من دونه ءالهة } أشركوهم معه لشبهة واهية استغواهم بها الشيطان؛ ثم استأنفوا على طريق التخصيص ما ينبه على أنهم من حين عبادتهم إلى الآن لم يأتوا على ذلك بدليل، فقالوا منبهين على فساد التقليد في أصول الدين وأنه لا مقنع فيه بدون القطع: { لولا } أي هلا { يأتون } الآن.
ولما كانوا بعبادتهم لهم قد أحلوهم محل العلماء، قال تعالى: { عليهم } أي على عبادتهم إياهم، وحققوا ما أرادوا من الاستعلاء بقولهم: { بسلطان } أي دليل قاهر { بين } مثل ما نأتي نحن على تفرد معبودنا بالأدلة الظاهرة، والبراهين الباهرة، فإن مثل هذا الأمر لا يقنع فيه بدون ذلك، وقد جمعنا الأدلة كلها في الاستدلال على تفرد الله باستحقاقه للعبادة بأنه تفرد بخلق الوجود، فتسبب عن عجزهم عن دليل أنهم أظلم الظالمين لافتعالهم الكذب عن ملك الملوك ومالك الملك، فلذلك قالوا: { فمن أظلم ممن افترى } أي تعمد { على الله } أي الملك الأعظم { كذباً * } فالآية دالة على فساد التقليد في الوحدانية.