نظم الدرر في تناسب الآيات والسور
ولما ثبتت هذه الأدلة فوجب امتثال ما دعت إليه ولم يبق لمتعنت شبهة إلا أن
يقول: لا أفعل حتى أعلم أن هذا الكتاب الذي تقدم أنه الهدى كلام الله، قال مبيناً إنه
من عنده نظماً كما كان من عنده معنى محققاً ما ختم به التي قبلها من أن من توقف عما
دعا إليه من التوحيد وغيره لا علم له بوجه، وأتى بأداة الشك سبحانه مع علمه بحالهم
تنبيهاً على أنه من البعيد جداً أن يجزم بشكهم بعد هذا البيان { وإِن } أي فإن كنتم من
ذوي البصائر الصافية والضمائر النيرة علمتم بحقية هذه المعاني وجلالة هذه الأساليب
وجزالة تلك التراكيب أن هذا كلامي، فبادرتم إلى امتثال ما أمر والانتهاء عما عنه زجر.
{ وإن كنتم في ريب } أي شك محيط بكم من الكتاب الذي قلت - ومن أصدق مني قيلاً
- إنه { لا ريب فيه }.
وأشار هنا أيضاً إلى عظمته وعظمة المنزل عليه بالنون التفاتاً من الغيبة إلى التكلم
فقال: { مما نزلنا } قال الحرالي: من التنزيل وهو التقريب للفهم بتفصيل وترجمة ونحو
ذلك - انتهى. { على عبدنا } أي الخالص لنا الذي لم يتعبد لغيرنا قط، فلذلك استحق
الاختصاص دون عظماء القريتين وغيرهم، فارتبتم في أنه كلامنا نزل بأمرنا وزعمتم أن
عبدنا محمداً أتى به من عنده لتوهمكم أن فيما سمعتم من الكلام شيئاً مثله لأجل الإتيان
به منجماً أو غير ذلك من أحواله.
{ فأتوا } أي على سبيل التنجيم أو غيره، قال الحرالي: الآتي بالأمر يكون عن
مكنة وقوة { بسورة } أي نجم واحد. قال الحرالي: السورة تمام جملة من المسموع
يحيط بمعنى تام بمنزلة إحاطة السور بالمدينة - انتهى. وتفصيل القرآن إلى سور وآيات،
لأن الشيء إذا كان جنساً وجعلت له أنواع واشتملت أنواعه على أصناف كان أحسن
وأفخم لشأنه وأنبل ولا سيما إذا تلاحقت الأشكال بغرابة الانتظام، وتجاوبت النظائر
بحسن الالتيام، وتعانقت الأمثال بالتشابه في تمام الأحكام وجمال الأحكام، وذلك أيضاً
أنشط للقارىء وأعظم عنده لما يأخذه منه مسمى بآيات معدودة أو سورة معلومة وغير
ذلك { من مثله } أي من الكلام الذي يمكنكم أن تدعوا أنه مثل ما نزلنا كما قال: { { قل
لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله } }
[الإسراء: 88] فإن عبدنا منكم ونشأ بين أظهركم، فهو لا يقدر على أن يأتي بما لا
تقدرون على مثله إلا بتأييد منا.
ولما كانوا يستقبحون الكذب قال: { وادعوا شهداءكم } أي من تقدرون على
دعائه من الموجودين بحضرتكم في بلدتكم أو ما قاربها، والشهيد كما قال الحرالي من
يكثر الحضور لديه واستبصاره فيما حضره - انتهى.
{ من دون الله } أي لينظروا بين الكلامين فيشهدوا بما تؤديهم إليه معرفتهم من
المماثلة أو المباينة فيزول الريب ويظهر إلى الشهادة الغيب أو ليعينوكم على الإتيان بمثل
القطعة المحيطة التي تريدون معارضتها. قال الحرالي: والدون منزلة القريب فالقريب
من جهة سفل، وقد عقلت العرب أن اسم الله لا يطلق على ما ناله إدراك العقل فكيف
بالحس! فقد تحققوا أن كل ما أدركته حواسهم ونالته عقولهم فإنه من دون الله - انتهى.
ففي التعبير به توبيخ لهم بأنهم لم يرضوا بشهادته سبحانه.
وحكمة الإتيان بمن التبعيضية في هذه السورة دون بقية القرآن أنه سبحانه لما
فرض لهم فيها الريب الذي يلزم منه زعمهم أن يكونوا اطلعوا له على مثيل أو سمعوا أن
أحداً عثر له على شبيه اقتضى الحال الإتيان بها ليفيد أن المطلوب منهم في التحدي
قطعة من ذلك المثل الذي ادعوه حكيمة المعاني متلائمة المباني منتظم أولها بآخرها
كسور المدينة في صحة الانتظام وحسن الالتيام والإحاطة بالمباني التي هي كالمعاني
والتقاء الطرفين حتى صار بحيث لا يدرى أوله من آخره سواء كانت القطعة المأتي بها
تباري آية أو ما فوقها لأن آيات القرآن كسورة يعرف من ابتدائها ختامها ويهدي إلى
افتتاحها تمامها، فالتحدي هنا منصرف إلى الآية بالنظر الأول وإلى ما فوقها بالنظر
الثاني.
والمراد بالسورة هنا مفهومها اللغوي، لأنها من المثل المفروض وهو لا وجود له
في الخارج حتى يكون لقطعة اصطلاح في الأسماء معروف، ولأن معرفة المعنى
الاصطلاحي كانت مخصوصاً بالمصدقين ولو أريد التحدي بسورة من القرآن لقيل:
فائتوا بمثل سورة منه، ولما كان هذا هو المراد قصرهم في الدعاء على من بحضرتهم
من الشهداء وسيأتي إن شاء الله تعالى في سورة يونس عليه السلام وبقية السور المذكورة
فيها هذا المعنى ما يتم به هذا الكلام. وفي قوله: { إن كنتم صادقين } إيماء إلى كذبهم
في دعوى الشك فيه، قال الحرالي: والصادق الذي يكون قول لسانه وعمل جوارحه
مطابقاً لما احتوى عليه قلبه مما له حقيقة ثابتة بحسبه، وقال: اتسقت آية تنزيل الوحي
بآية إنزال الرزق لما كان نزول ما نزل على الرسول المخصص بذلك ينبغي اعتباره
بمقابلة نزول الرزق، لأنهما رزقان: أحدهما ظاهر يعم الكافر في نزوله، والآخر وهو
الوحي رزق باطن يخص الخاصة بنزوله ويتعين له أيهم أتمهم فطرة وأكملهم ذاتاً؛ ولم
يصلح أن يعم بنزول هذا الرزق الباطن كعموم الظاهر، فتبطل حكمة الاختصاص في
الرزقين، فإن نازعهم ريب في الاختصاص فيفرضون أنه عام فيحاولون معارضته، وكما
أنهم يشهدون بتمكنهم من الحس عند محاولته عمومه فكذلك يجب أن يشهدوا بعجزهم
عن سورة من مثله تحقق اختصاص من نزل عليه به وأجرى ذكره باسم العبودية إعلاماً
بوفائه بأنحاء التذلل وإظهاراً لمزية انفراده بذلك دونهم ليظهر به سبب الاختصاص.
وانتظم النون في { نزلنا } من يتنزل بالوحي من روح القدس والروح الأمين ونحو
ذلك، لأنها تقتضي الاستتباع، واقتضت النون في لفظ { عبدنا } ما يظهره النبي صلى الله عليه وسلم لهم
من الانقياد والاتباع وما اقتضاه خلقه العظيم من خفض الجناح، حتى أنه يوافق من وقع
على وجه من الصواب من أمته صلى الله عليه وسلم، وحتى أنه يتصف بأوصاف العبد في أكله كما قال:
"آكل كما يأكل العبد" انتهى.
والتحدي بسورة يشمل أقصر سورة كالكوثر ومثلها في التحدي آية مستقلة توازيها
وآيات، كما قاله الإمام جلال الدين محمد بن أحمد المحلي في شرح جمع
الجوامع، وسبقه الإمام شمس الدين محمد بن عبد الدائم البرماوي فنظمه في القنية
في الأصول ونقله في شرحها عن ظاهر كلام إمام الحرمين في الشامل وعن كلام الفقهاء
في الصداق فيما لو أصدقها تعليم سورة فلقنها بعض آية، وسبقهما العلامة سعد الدين
مسعود بن عمر التفتازاني فقال في تلويحه على توضيح صدر الشريعة: المعجز هو
السورة أو مقدارها هكذا ذكر الذين تكلموا في الإعجاز من الأصوليين وغيرهم أن
التحدي وقع بسورة من القرآن، والصواب أنه إنما وقع بقطعة آية فما فوقها، لأن المراد
بالسورة مفهومها اللغوي لا الاصطلاحي كما تقدم بيانه.
والحاصل أنه لما كان في آيات المنافقين ذكر الأمثال وكانوا قد استغربوا بعض
أمثال القرآن وجعلوها موضعاً للشك من حيث كانت موضعاً لليقين فقالوا: لو كان هذا
من عند الله لما ذكر فيه أمثال هذه الأمثال، لأنه أعظم من أن يذكر ما دعاهم إلى
المعارضة في هذه السورة المدنية بكل طريق يمكنهم، وأخبرهم بأنهم عاجزون عنها وأن
عجزهم دائم تحقيقاً لأنهم في ذلك الحال معاندون لا شاكون.
ولما كان سبحانه عالماً بأن الأنفس الأبية والأنوف الشامخة الحمية التي قد لزمت
شيئاً فمرنت عليه حتى صار لها خلقاً يصعب عليها انفكاكها عنه ويعسر خلاصها منه عبر
عن هذا الإخبار بالعجز مهدداً في سياق ملجىء إلى الإنصاف بالاعتراف أو تفطر القلوب
بالعجز عن المطلوب بقوله تعالى: { فإن لم تفعلوا } فأتى بأداة الشك تنفيساً لهم وتهكماً
في نفس الأمر بهم واستجهالاً لهم، ثم لم يتمم ذلك التنفيس حتى ضربهم ضربة
فضمت ظهورهم وقطعت قلوبهم فقال لتكون الآية كافلة لصحة نسبة النظم والمعنى آيد
وآكد لادعائهم المقدرة بقوله تعالى: { ولن تفعلوا } فألزمهم الخزي بما حكم عليهم به
من العجز، فلم يكن لهم فعل إلا المبادرة إلى تصديقه بالكف، فكانوا كمن ألقم الحجر
فلم يسعه إلا السكوت، واستمر ذلك التصديق لهم ولأمثالهم على وجه الدهر في كل
عصر ينادي مناديه فتخضع له الرقاب ويصدّح مؤذنه فتنكسر الرؤوس، والتعبير بالفعل
الأعم من الإتيان أبلغ لأن نفيه نفي الأخص وزيادة. والفعل قال الحرالي ما ظهر عن
داعية من الموقع كان عن علم أو غير علم لتدين كان أو لغيره كما تقدم مراراً - انتهى.
فقد ثبت أن هذا الكتاب الذي بين أنه الهادي إلى الصراط المستقيم أعظم دليل
على إفراده بالعبادة واختصاصه بالمراقبة التي أرشدنا إليها بقوله: { { إياك نعبد وإياك
نستعين } [الفاتحة: 4] الآية بما ثبت فيه من أدلة التفرد بالإلهية بما ثبت من عجزهم عن
معارضته وعجز جميع العرب الذين كانوا أفصح الخلق وكذا جميع من ولد في بلادهم
وانطبع بلسانهم من اليهود والنصارى الذين لهم من الفصاحة والعلم ما هو مشهور فقد
كان لليهود من بني إسرائيل الذين كانوا في المدينة الشريفة وخيبر واليمن وغيرها، ومن
دخل في دينهم من العرب من الفصاحة والبلاغة والعلم ما لا يحتاج من طالع السيرة فيه
إلى توقف، وكان النصارى من بني إسرائيل ومن دان دينهم من العرب وهم كثير كثرة
قوم المنذرين ماء السماء، وما قارب الشيء من عبد القيس وتنوخ وعامله وغسان كلهم
فصحاء بلغاء، وزاد كثير منهم على ذلك العلم وكان منهم الشعراء المبرزون؛ ومع ذلك
فلم يقدر أحد منهم على طعن في هذا القرآن ولا عارضه منهم إنسان إلا ما قاله مسيلمة
والأسود العنسي فيما افتضحوا به وأكذبهم الله تعالى فيه وسارت بفضائحهم الركبان
فكانوا بها مثلاً في سائر البلدان.
قال عمرو بن بحر الجاحظ "في كتاب الحجة في تثبيت خبر الواحد" إن الله تبارك
وتعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم أكثر ما كانت العرب شاعراً وخطيباً وأحكم ما كانت لغة وأشد ما
كانت عدة فدعا أقصاها وأدناها إلى توحيد الله وتصديق رسالته فدعاهم إلى حظهم
بالحجة، فلما قطع العذر وأزال الشبهة وصار الذي يمنعهم من الإقرار الهوى والحمية
دون الجهل والحيرة حملهم على حظهم بالسيف، فنصب لهم الحرب ونصبوا له وقتل من
عليتهم وأعلامهم وأعمامهم وبني أعمامهم وقتلوا أعمامه وبني أعمامه وعلية أصحابه
وأعلام أهله، وهو في ذلك يحتج عليهم بالقرآن وغيره ويدعوهم صباحاً ومساء إلى أن
يعارضوه إن كان كاذباً بسورة واحدة أو بآيات يسيرة، فكلما ازداد تحدياً لهم بها وتقريعاً
بعجزهم عنها تكشف من نقصهم ما كان مستوراً وظهر منه ما كان خفياً، فحين لم يجدوا
حيلة ولا حجة قالوا له: أنت تعرف من أخبار الأمم ما لا نعرف فلذلك يمكنك ما لا
يمكننا؛ قال: فهاتوها مفتريات، فلم يرم ذلك خطيب ولا طمع فيه شاعر ولا طبع فيه
لتكلفه، ولو تكلفه لظهر ذلك، ولو ظهر لوجد من يستجيده ويحامي عليه ويكابر فيه
ويزعم أنه قد عارض وقابل وناقض، فدل ذلك العاقل على عجز القوم مع كثرة كلامهم
واتساع لغتهم وسهولة ذلك عليهم وكثرة شعرائهم وكثرة من هجاه منهم وعارض شعراء
أصحابه وخطباء أمته، لأن سورة واحدة وآيات يسيرة كانت أنقض لقوله وأفسد لأمره
وأبلغ في تكذيبه وأسرع في تفريق أتباعه من بذل النفوس والخروج من الأوطان وإنفاق
الحرائب؛ وهذا من جليل التدبير الذي لا يخفى على من هو دون قريش والعرب في
العقل والرأي بطبقات، ولهم القصيد العجيب والرجز الفاخر والخطب الطوال البليغة
والقصار الموجزة، ولهم الأسجاع والمزدوج واللفظ المنثور، ثم يتحدى به أقصاهم بعد
أن ظهر عجز أدناهم؛ فمحال أكرمك الله أن يجتمع هؤلاء كلهم على الغلط في الأمر
الظاهر والخطأ المكشوف البين مع التقريع بالنقص والتوقيف على العجز وهم أشد الخلق
أنفة وأكثرهم مفاخرة والكلام سيد علمهم وقد احتاجوا إليه والحاجة تبعث على الحيلة في
الأمر الغامض فكيف بالظاهر! وكما أنه محال أن يطبقوا ثلاثاً وعشرين سنة على الغلط في
الأمر الجليل المنفعة فكذلك أيضاً محال أن يتركوه وهم يعرفونه ويجدون السبيل إليه وهم
يبذلون أكثر منه - انتهى. فثبت بهذا عجزهم وخرس قطعاً إفصاحهم ورمزهم وطأطأ ذلاً
كبرهم وعزهم، وكيف يمكن المخلوق مع تمكنه في سمات النقص ودركات الافتقار
والضعف معارضة من اختص بصفات الكمال وتعالى عن الأنداد والأشباه والأشكال.
وقد اختلف الناس في سبب الإعجاز وأحسن ما وقفت عليه من ذلك ما نقله
الإمام بدر الدين الزركشي الشافعي في كتابه البرهان عن الإمام أبي سليمان الخطابي - وقال: وإليه ذهب الأكثرون من علماء النظر - أن وجه الإعجاز فيه من جهة البلاغة لكن
صعب عليهم تفصيلها ووضعوا فيه إلى حكم الذوق، قال: والتحقيق أن أجناس الكلام
مختلفة ومراتبها في درجات البيان متفاوتة، فمنها البليغ الرصين الجزل، ومنها الفصيح
القريب السهل، ومنها الجائز الطلق الرسل؛ وهذه الأقسام هي الكلام الفاضل المحمود،
فالقسم الأول أعلاه والقسم الثاني أوسطه والقسم الثالث أدناه وأقربه؛ فحازت بلاغات
القرآن من كل قسم من هذه الأقسام حصة وأخذت من كل نوع شعبة، فانتظم لها بانتظام
هذه الأوصاف نمط من الكلام يجمع صفتي الفخامة والعذوبة، وهما على الانفراد في
نعوتهما كالمتضادين لأن العذوبة نتاج السهولة والجزالة والمتانة يعالجان نوعاً من
الزعورة، فكان اجتماع الأمرين في نظمه مع نبو كل واحد منهما عن الآخر فضيلة
خص بها القرآن لتكون آية بينة لنبيه صلى الله عليه وسلم، وإنما تعذر على البشر جميعاً الإتيان بمثله
لأمور، منها أن علمهم لا يحيط بجميع أسماء اللغة العربية وأوضاعها التي هي ظروف
المعاني، ولا تدرك أفهامهم جميع معاني الأشياء المحمولة على تلك الألفاظ، ولا
تكمل معرفتهم باستيفاء جميع وجوه النظوم التي بها يكون ائتلافها وارتباط بعضها
ببعض، فيتوصلوا باختيار الأفضل من الأحسن من وجوهها إلى أن يأتوا بكلام مثله،
وإنما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة لفظ حامل ومعنى به قائم ورباط لهما ناظم؛ وإذا
تأملت القرآن وجدت هذه الأمور منه في غاية الشرف والفضيلة حتى لا ترى شيئاً من
الألفاظ أفصح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه، ولا ترى نظماً أحسن تأليفاً وأشد
تلاؤماً وتشاكلاً من نظمه؛ وأما معانيه فكل ذي لب يشهد له بالتقدم في أبوابه والترقي
إلى أعلى درجاته، وقد توجد هذه الفضائل الثلاث على التفرق في أنواع الكلام، فأما أن
يوجد مجموعه في نوع واحد منه فلم توجد إلا في كلام العليم القدير، فخرج من هذا
أن القرآن إنما صار معجزاً لأنه جاء بأفصح الألفاظ في أحسن نظوم التأليف، مضمناً
أصح المعاني من توحيد الله تعالى وتنزيه له في صفاته، ودعاء إلى طاعته وبيان لطريق
عبادته، في تحليل وتحريم وحظر وإباحة، ومن وعظ وتقويم وأمر بمعروف ونهي عن
منكر، وإرشاد إلى محاسن الأخلاق وزجر عن مساويها، واضعاً كل شيء منها
موضعه الذي لا يرى شيء أولى منه ولا يتوهم في صورة العقل أمر أليق به منه، مودعاً
أخبار القرون الماضية وما نزل من مثلات الله بمن مضى وعاند منهم، منبئاً عن الكوائن
المستقبلة في الأعصار الآتية من الزمان، جامعاً في ذلك بين الحجة والمحتج له والدليل
والمدلول عليه، ليكون ذلك أوكد للزوم ما دعا إليه، وأنبأ عن وجوب ما أمر به ونهى
عنه، ومعلوم أن الإتيان بمثل هذه الأمور والجمع بين أشتاتها حتى تنتظم وتتسق أمر
تعجز عنه قوى البشر ولا تبلغه قدرتهم؛ فانقطع الخلق دونه وعجزوا عن معارضته بمثله
أو مناقضته في شكله، ثم صار المعاندون له يقولون مرة: إنه شعر - لما رأوه منظوماً -
ومرة: إنه سحر - لما رأوه معجوزاً عنه غير مقدور عليه، وقد كانوا يجدون له وقعاً في
القلوب وفزعاً في النفوس يريبهم ويحيرهم، فلم يتمالكوا أن يعترفوا به نوعاً من
الاعتراف، ولذلك قالوا: إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وكانوا مرة بجهلهم يقولون:
إنه { { أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً } [الفرقان: 5] مع علمهم أن
صاحبه أمي وليس بحضرته من يملي أو يكتب في نحو ذلك من الأمور التي أوجبها
العناد والجهل والعجز - انتهى.
وأول كلامه يميل إلى أن الإعجاز بمجرد النظم من غير نظر إلى المعنى، وآخره
يميل إلى أنه بالنظر إلى النظم والمعنى معاً من الحيثية التي ذكرها، وهو الذي ينبغي أن
يعتقد لكن في التحدي بسورة واحدة وأما بالعشر فبالنظر إلى البلاغة في النظم فقط - نقله
البغوي في تفسير سورة هود عن المبرد وقد مر آنفاً مثله في كلام الجاحظ.
وقال الأستاذ أبو الحسن الحرالي في مفتاح الباب المقفل الباب الأول في علو
بيان القرآن على بيان الإنسان: اعلم أن بلاغة البيان تعلو على قدر علو المبين، فعلو
بيان الله على بيان خلقه بقدر علو الله على خلقه، فبيان كل مبين على قدر إحاطة علمه،
فإذا أبان الإنسان عن الكائن أبان بقدر ما يدرك منه وهو لا يحيط به علمه فلا يصل إلى
غاية البلاغة فيه بيانه، وإذا أنبأ عن الماضي فبقدر ما بقي من ناقص علمه به كائناً في
ذكره لما لزم الإنسان من نسيانه، وإذا أراد أن ينبىء عن الآتي أعوزه البيان كله إلا ما
يقدّره أو يزوّره؛ فبيانه في الكائن ناقص وبيانه في الماضي أنقص وبيانه في الآتي ساقط
{ { بل يريد الإنسان ليفجر أمامه } [القيامة: 5] وبيان الله سبحانه عن الكائن بالغ إلى غاية
ما أحاط به علمه { { قل إنما العلم عند الله } [الملك: 26] وعن المنقطع كونه بحسب
إحاطته بالكائن وسبحانه من النسيان { { لا يضل ربي ولا ينسى } [طه: 52] وعن الأتي
بما هو الحق الواقع { { فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين * والوزن يومئذ الحق } }
[الأعراف: 7، 8] والمبين الحق الذي لا يوهن بيانه إيهام نسبة النقص إلى بيانه،
والإنسان يتهم نفسه في البيان ويخاف أن ينسب إلى العي فيقصد استقراء البيان ويضعف
مفهوم بيانه ضعفاً من منته ومفهوم بيان القرآن أضعاف أضعاف أنبائه وقل ما ينقص عن
نظيره - انتهى.
وقال الإمام محمد بن عبد الرحمن المراكشي الأكمه في شرح نظمه لمصباح
ابن مالك في المعاني والبيان ما يصلح أن يكون متناً وجملة وما تقدم شرحاً له وتفصيلاً
قال: الجهة المعجزة في القرآن تعرف بالتفكر في علم البيان وهو كما اختاره جماعة في
تعريفه ما يحترز به عن الخطأ في تأدية المعنى وعن تعقيده، وتعرف به وجوه تحسين
الكلام بعد رعاية تطبيقه لمقتضى الحال، لأن جهة إعجازه ليست مفردات ألفاظه وإلا
لكانت قبل نزوله معجزة، ولا مجرد تأليفها وإلا لكان كل تأليف معجزاً، ولا إعرابها
وإلا لكان كل كلام معرب معجزاً، ولا مجرد أسلوبه وإلا لكان الابتداء بأسلوب الشعر
معجزاً - والأسلوب الطريق - ولكان هذيان مسيلمة معجزاً، ولأن الإعجاز يوجد دونه أي
الأسلوب في نحو { { فلما استيئسوا منه خلصوا نجيا } [يوسف: 80] { فاصدع بما
تؤمر } [الحجر: 94] ولا بالصرف عن معارضته، لأن تعجبهم كان من فصاحته، ولأن
مسيلمة وابن المقفّع والمعري وغيرهم قد تعاطوها فلم يأتوا إلا بما تمجه الأسماع وتنفر
منه الطباع ويضحك منه في أحوال تركيبه ويهان بتلك الأحوال، أعجز البلغاء وأخرس
الفصحاء؛ فعلى إعجازه دليل إجمالي وهو أن العرب عجزت عنه وهو بلسانها فغيرها
أحرى، ودليل تفصيلي مقدمته التفكر في خواص تركيبه، ونتيجته العلم بأنه تنزيل من
المحيط بكل شيء علماً - انتهى. وسيأتي إن شاء الله تعالى في أواخر العنكبوت ما ينفع
ها هنا وأشار سبحانه في تهديدهم بقوله: { فاتقوا النار } كذا قال الحرالي، وهي جوهر
لطيف يفرط لشدة لطافته في تفريط المتجمد بالحر المفرط وفي تجميد المتمتع بالبرد
المفرط. وقال غيره: جسم لطيف مضيء حار من شأنه الإحراق { التي وقودها } أي
الشيء الذي يتوقد ويتأجج به { الناس والحجارة } التي هي أعم من أصنامهم التي قرنوا
بها أنفسهم في الدنيا إلى أنهم لم يقدروا على المعارضة واستمروا على التكذيب، كانوا
معاندين ومن عاند استحق النار، وإلى أنهم إذا أحرقوا فيها أوقد عليهم بأصنامهم
تعريضاً بأنها وإن كانت في الدنيا لا ضرر فيها ولا نفع باعتبار ذواتها فهي في الآخرة
ضرر لهم بلا نفع بشفاعة ولا غيرها؛ وتعريف النار وصلة الموصول لأن أخبار القرآن
بعد ثبوت أنه من عند الله معلومة مقطوع بها فهو من باب تنزيل الجاهل منزلة العالم
تنبيهاً على أن ما جهله لم يجهله أحد.
وقال الحرالي: الحجارة ما تحجَّر أي اشتد تصام أجزائه من الماء والتراب،
{ واتقوا } أي توقفوا عن هذه التفرقة بين الله ورسوله حيث تذعنون لربوبيته وترتابون في
رسوله، فالنار معدة للعذاب بأشد التفريق لألطف الأجزاء الذي هو معنى الحرق لمن
فرق وقطع ما يجب وصله، أي لما فاتتكم التقوى بداعي العلم فلا تفتكم التقوى بسائق
الموجع المخصوص المناسب عذابه لفعلكم، فإنها نار غذاؤها واشتعالها بالكون كله
أنهاه تركيباً وهم الناس الملائمون لمارجها بالنوس وأطرفه وأجمده وهي الحجارة
فهي تسع ما بين ذلك من باب الأولى، وفيه إشعار بمُنتها وقوتها وأنها بحكم هذا الوسع
للالتصاق بخلق يعني وليست كنار الدنيا التي غذاؤها من ضعيف الموالد وهو النبات ولا
تفعل في الطرفين إلا بواسطة وكان غذاؤها ووقودها النبات إذ كانت متقدحة منه كما
قال: { الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً } [يس: 80] وتقول العرب: في كل
شجر نار واستمجد المرخ والعفار، وذلك على حكم ما تحقق أن الغذاء للشيء مما
منه أصل كونه وقال: { وقودها } لأن النار أشد فعلها في وقودها لأن بتوسطه تفعل فيما
سواه، فإذا كان وقودها محرقها كانت فيه أشد عملاً لتقويها به عليه، ويفهم اعتبارها بنار
الدنيا انقداحها من أعمال المجزيين بها ومن كونهم، فهم منها مخلوقون وبها مغتذون
إلا أنها منطفية الظاهر في الدنيا متأججة في يوم الجزاء ومثال كل مجزي منها بمقدار ما
في كونه من جوهرها.
قلت: ويؤيده { إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين } [الإسراء: 27] أي في أن
الغالب عليهم العنصر الناري المفسد لما قاله: { ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين
تؤزهم أزاً } [مريم: 27] قال: وفي ذكر الحجارة إفهام عموم البعث والجزاء لما حوته
السماء والأرض وأن كل شيء ليس الثقلين فقط يعمه القسم بين الجنة والنار كما عمه
القسم بين الخبيث والطيب؛ وإنما اقتصر في مبدأ عقيدة الإيمان على الإيمان ببعث
الثقلين وجزائهم تيسيراً واستفتاحاً، وما سوى ذلك فمن زيادة الإيمان وتكامله كما قال:
{ { ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم } [الفتح: 4] ومن العلماء من وقف بإيمانه على بعث
الثقلين وجزائهما، حتى أن منهم من ينكر جزاء ما سواهما ويتكلف تأويل مثل قوله عليه
السلام: "يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء" انتهى.
ولما تم ذلك وكان { الناس } عاماً للكافر وغيره كان كأنه قيل: هذه النار لمن؟
فقيل: { أعدت } أي هيئت وأكملت قبل زمن استعمالها وتقاد للمجهول لأن المشتكي
إذا جهل فاعله كان أنكأ { للكافرين } فبين أنها موجودة مهيأة لهم ولكل من اتصف
بوصفهم وهو ستر ما ظهر من آيات الله. قال الحرالي: وهي عدة الملك الديان لهم
بمنزلة سيف الملك من ملوك الدنيا - انتهى. ولما ذكر ما لهم ترهيباً اتبعه ما للمؤمنين
ترغيباً فقال صارفاً وجه الخطاب بالرحمة إلى نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم عاطفاً على ما تقديره:
فأنذرهم بذلك، ولكنه طواه لأن السياق للاستعطاف { وبشر } والبشرى قال الحرالي
إظهار غيب المسرة بالقول: { الذين آمنوا } أي صدقوا الرسل { وعملوا } قال الحرالي:
من العمل وهو فعل بُني على علم أو زعمه { الصالحات } من الأقوال والأفعال، قال
الحرالي: جمع صالحة، وهو العمل المتحفظ به من مداخل الخلل فيه، وإذا كانت
البشرى لهؤلاء فالمؤمنون أحق بما فوق البشرى، وإنما يبشر من يكون على خطر،
والمؤمن مطمئن فكيف بما فوق ذلك من رتبة الإحسان إلى ما لا عين رأت ولا أذن
سمعت، وما لا يناله علم نفس ولا خطر على قلب بشر.
ولما ذكر المبشر اتبعه المبشر به فقال: { أن لهم جنّات } أي متعددة، قال
الحرالي: لتعدد رتب أفعالهم التي يطابق الجزاء ترتبها وتعددها كما قال عليه الصلاة
والسلام للتي سألت عن ابنها: "إنها جنان وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى" وفي
التعبير بلهم إشعار بأن ذلك الذي لهم ينبغي لحاقه بذواتهم ليحصل به من كمال أمرهم
وصلاح حالهم نحو مما يحصل بكمال خلقهم وتسويتهم. والجنات مبتهجات للنفوس
تجمع ملاذ جميع حواسها، تُجن المتصرف فيها أي تخفيه وتجن وراء نعيمها مزيداً
دائماً - انتهى.
ثم وصفها بأنها { تجري } قال الحرالي: من الجري وهو إسراع حركة الشيء
ودوامها، { من تحتها } أي من تحت غرفها، والتحت ما دون المستوى، { الأنهار }
جمع نهر، وهو المجرى الواسع للماء - انتهى. فإسناد الجري إليها مجاز، والتعريف لما
عهده السامع من الجنس ويحتمل أن يكون المعنى أن أرضها منبع الأنهار، فَتَحتَ كل
شجرة وغرفة منبع نهر، فهي لا تزال غضّة يانعة متصلة الزهر والثمر لا كما يجلب إليه
الماء وربما انقطع في وقت فاختلّ بعض أمره. قال الحرالي: وإذا تعرف حال العامل من
وصف جزائه علم أن أعمالهم كانت مبنية على الإخلاص الذي هو حظ العاملين من
التوليد الذي الماء آيته - انتهى.
فلما كانت الجنان معروفة بالثمار ساق وصفها بذلك مساق ما لا شك فيه بخلاف
جري الأنهار فقال: { كلما } وهي كلمة تفهم تكرر الأمر في عموم الأوقات { رزقوا
منها من ثمرة } أيّ ثمرة كانت رزقاً { قالوا } لكونه على صورة ما في الدنيا { هذا } أي
الجنس لاستحكام الشبه { الذي رزقنا من قبل } أي في الدنيا، ولما كان الرزق معلوماً
ولم يتعلق غرض بمعرفة الآتي بالرزق بُنيا للمجهول فقال تعالى عاطفاً على ما تقديره
لأنا خلقناه على شكل ما كان ليكونوا به أغبط ولمزيته أعرف وله أقبل وإليه أميل موحداً
للضمير إشارة إلى أنه لاستحكام الشبه كأنه واحد { وأتوا به } أي جيء لهم بهذا الجنس
المرزوق لهم في الدارين في الجنة من غير تطلب وتشوق { متشابهاً } في مطلق اللون
والجنس ليظن أنه متشابه في الطعم، فيصير فضله في ذلك بالذوق نعمة أخرى والتشابه
المراد هنا اشتراك في ظاهر الصورة، والإتيان بأداة التكرار يدل على أن الشبه يزداد
عظمة في كل مرة فيزداد العجب وجعل الحرالي هذا خاصاً بثمار الجنة فقال: من قبل
إعلام بأن أشخاص ثمر الجنة وآحادها لا تتمايز لأنها على أعلى صورتها لا تتفاوت
بأعلى وأدنى ولا يتراخى زمان عودها، فهي تتخلف لآنِ قطفها ولا تتمايز صور
المقطوف من الخالف حتى يظن القاطف أن المتخلف عين الأول؛ فحال ثمر الجنة
كحال الماء الذي هو أصله، وبسرعة الخلف من ثمر الجنة وأنه متصل جرية الوجود قال
عليه السلام في عنقود من ثمرها: "لو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا" ويشعر ذلك
عند اعتبار العمل به بأن نياتهم في الأعمال صالحة ثابتة مرابطة حتى جرُّوا بها هذا
الاتصال وكمال الصورة في الرزق ومنه حديث مرفوع أخرجه الطبراني عن سهل بن
سعد: "نية المؤمن خير من عمله" . { وأتوا به متشابهاً } أظهر عذرهم في توهم اتحاد
الثمر وعرف بأمنتهم من العنا، لأنه لو تفاوت تبعه الكراهة للأدنى وتكلف للانتقاء
للأعلى وذلك إنما هو لائق بكيد الدنيا لا بنعيم الجنة، وقد ذكر بعض العلماء اطراد هذا
التشابه في ثمر الجنة وإن اختلفت أصنافه، ويضعفه ما يلزم منه كمال الدلالة في المعنى
والصورة في نحو قوله تعالى: { { فيهما فاكهة ونخل ورمان } [الرحمن: 68] وما يجري
مجراه - انتهى.
ولما ذكر المسكن الذي هو محل اللذة وأتبعه المطعم المقصود بالذات وكانت لذة
الدار لا تكمل إلا بأنس الجار لا سيما المستمتع به قال: { ولهم فيها } أي مع ذلك
{ أزواج } ولما كن على خلق واحد لا نقص فيه أشار إليه بتوحيد الصفة، وأكد ذلك
بالتعبير بالتفعيل إلماماً بأنه عمل فيه عمل ما يبالغ فيه بحيث لا مطمع في الزيادة فقال:
{ مطهرة }. قال الحرالي: والزوج ما لا يكمل المقصود من الشيء إلا معه على نحو
من الاشتراك والتعاون، والتطهير تكرار إذهاب مجتنب بعد مجتنب عن الشيء؛ ولما
ذكر تعالى الرزق المستثمر من أعمال الذين آمنوا وصل به ذكر الأزواج المستثمرة من
حال نفوسهم من حسن أخلاقها وجمال صورتها الباطنة في الدنيا، وكانت المرأة زوج
الرجل لما كان لا يستقل أمره في النسل والسكن إلا بها - انتهى.
ولما كان خوف الزوال أو الانتقال إلى أدنى منغصاً فلا تروق اللذة إلا مع
الاستقرار وكان هذا الوصف عاماً في جميع الجنان العلى وغيرها قال مقدماً للجار إشارة
إلى أنهم لا يكونون في جنة إلا وهذه صفتها وأن نعيمهم لا آخر له { وهم فيها } ولما
أفاد تقديم الظرف تخصيص الكون بها وعدم الكون في غيرها وكان ذلك معنى الخلود
وكان قد يطلق على الإقامة بلا نهاية على طول الإقامة وإن كان له آخر صرح به بياناً بأن
المراد ما لا آخر له وإلا لم يفد شيئاً جديداً فقال: { خالدون } والخلود طول الإقامة
بالقرار، وسياق الامتنان أغنى عن تقييده بالتأبيد والدوام.