التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ
١
يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ
٢
وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ
٣
كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ
٤
يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي ٱلأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوۤاْ أَشُدَّكُمْ وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى ٱلأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ
٥
-الحج

نظم الدرر في تناسب الآيات والسور

قال: { يا أيها الناس } أي الذين تقدم أول تلك أنه اقترب لهم حسابهم { اتقوا ربكم } أي احذروا عقاب المحسن إليكم بأنواع الإحسان بأن تجعلوا بينكم وبينه وقاية الطاعات.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما افتتحت سورة الأنبياء بقوله تعالى: { اقترب للناس حسابهم } وكان وارداً في معرض التهديد، وتكرر في مواضع منها كقوله تعالى:
{ إلينا ترجعون } [الأنبياء: 35] { { سأوريكم آياتي فلا تستعجلون ويقولون متى هذا الوعد } [الأنبياء: 37] { لو يعلم الذين كفروا حين يكفون عن وجوههم النار } } [الأنبياء: 39] { ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك } [الأنبياء: 46] { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة } [الأنبياء: 47] { { وهم من الساعة مشفقون } [الأنبياء: 49] { كل إلينا راجعون } [الأنبياء: 93] { { واقترب وعد الحق } [الأنبياء: 97] { { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم } [ الأنبياء: 98] { يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب } [الأنبياء: 104] إلى ما تخلل هذه الآي من التهديد، وشديد الوعيد، حتى لا تكاد تجد أمثال هذه الآي في الوعيد والإنذار بما في الساعة وما بعدها وما بين يديها في نظائر هذه السورة، وقد ختمت من ذلك بمثل ما به ابتدئت، اتصل بذلك ما يناسبه من الإعلام بهول الساعة وعظيم أمرها، فقال تعالى: { يا أيها الناس اتقوا ربكم } - إلى قوله: { ولكن عذاب الله شديد } ثم اتبع ببسط الدلالات على البعث الأخير وإقامة البرهان { يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث } الآيات، ثم قال { ذلك بأن الله هو الحق } أي اطرد هذا الحكم العجيب ووضح من تقلبكم من حالة إلى حالة في الأرحام وبعد خروجكم إلى الدنيا وأنتم تعلمون ذلك من أنفسكم، وتشاهدون الأرض على صفة من الهمود والموت إلى حين نزول الماء فنحيي ونخرج أنواع النبات وضروب الثمرات { يسقى بماء واحد ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى } كما أحياكم أولاً وأخرجكم من العدم إلى الوجود وأحيا الأرض بعد موتها وهمودها، كذلك تأتي الساعة من غير ريب ولا شك، ويبعثكم لما وعدكم من حسابكم وجزائكم { فريق في الجنة وفريق في السعير } انتهى.
ولما أمرهم بالتقوى: علل ذلك مرهباً لهم بقوله: { إن زلزلة الساعة } أي التي تقدم التحذير منها في الأنبياء بدأ وختماً وما بين ذلك، أي شدة اضطرابها وتحركها العنيف المزيل للأشياء عن مقارها إزالة عظيمة، بما يحصل فيهما من الأصوات المختلفة، والحركات المزعجة المتصلة، من النفخ في الصور، وبعثرة القبور، وما يتسبب عن ذلك من عجائب المقدور، وقت القيام، واشتداد الزحام، وذلك لأن "زلزل" مضاعف زل - إذا زال عن مقره بسرعة، ضوعف لفظه لتضاعف معناه؛ قال البغوي: الزلزلة والزلزال: شدة الحركة على الحال الهائلة - انتهى. وهو من إضافة المصدر إلى الفاعل أو المفعول فيه { شيء عظيم* } أي لا تحتمل العقول وصفه؛ قال ابن كثير: أي أمر كبير، وخطب جليل وطارق مفظع، وحادث هائل، وكائن عجيب - انتهى. وهذا للزلزلة نفسها، فكيف بجميع ما يحدث في ذلك اليوم الذي لا بد لكم من الحشر فيه إلى الله ليجازيكم على ما كان منكم، لا ينسى منه نقير ولا قطمير، ولا يخفى قليل ولا كثير، مما تطير له القلوب، ولا تثبت له النفوس، فاعتدوا وجاهدوا أعداءكم من الأهواء والشياطين.
ولما كان المراد بالساعة القيام وما والاه، جعل مظروفاً لذلك اليوم الذي هو من ذلك الوقت إلى افتراق الفريقين إلى داري الإبعاد والإسعاد، والهوان والغفران، فقال تعالى: { يوم ترونها } أي الزلزلة أو كل مرضعة، أضمرها قبل الذكر، تهويلاً للأمر وترويعاً للنفس { تذهل } أي تنسى وتغفل حائرة مدهوشة، وهو العامل في "يوم" ويجوز أن يكون عامله معنى الكلام، أي تستعظمون جداً ذلك اليوم عند المعاينة وإن كنتم الآن تكذبون، ويكون ما بعده استئنافاً ودل بالسور على عموم تأثيره لشدة عظمته فقال: { كل مرضعة } أي بالفعل { عما أرضعت } من ولدها وغيره، وهي من ماتت مع أبنها رضيعاً، قال البغوي: يقال: مرضع، بلا هاء - إذا أريد به الصفة مثل حائض وحامل، فإذا أرادوا الفعل أدخلوا الهاء - يعني: فيدل حينئذ أنها ملتبسة به { وتضع كل ذات حمل حملها } أي تسقطه قبل التمام رعباً وفزعاً، وهي من ماتت حاملاً - والله أعلم، فإن كل أحد يقوم على ما مات عليه، قال الحسن: تذهل المرضعة عن ولدها بغير فطام، وتضع الحامل ما في بطنها بغير تمام - انتهى. ويؤيد أن هذه الزلزلة تكون بعد البعث ما في الصحيحين وغيرهما: مسلم في الإيمان وهذا لفظه، والبخاري عند تفسير هذه الآية عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه رفعه:
" "يقول الله عز وجل: يا آدم! فيقول: لبيك وسعديك! والخير في يديك، قال: يقول: أخرج بعث النار، قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون، فذلك حين يشيب الصغير، وتضع كل ذات حمل حملها" . الحديث والأحاديث في ذلك كثيرة، ومعارضها ضعيف، والمناسب أيضاً لما في آخر تلك من قوله { { فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا } [الأنبياء: 97] وما تبعه أن هذه الزلزلة بعد القيام من القبور { { يوم نطوي السماء } [الأنبياء: 104] { إذا السماء انفطرت } [الانفطار: 1] إلى قوله: { { علمت نفس ما قدمت وأخرت } [الانفطار: 5] ويمكن أن يكون المراد هذا وما قبله لأن يوم الساعة طويل، فنسبة الكل إليها على حد سواء.
ولما كان الناس كلهم يرون الزلزلة، ولا يرى الإنسان السكر - إلا من غيره قال في الزلزلة { ترونها } وقال في "السكر": { وترى الناس سكارى } أي لما هم فيه من الدهش والحيرة والبهت لما شاهدوا من حجاب العز وسلطان الجبروت وسرادق الكبرياء، ثم دل على أن ذلك ليس على حقيقته بقوله، نافياً لما يظن إثباته بالجملة الأولى: { وما هم بسكارى } أي من الخمر.
ولما نفى أن يكونوا سكارى من الخمر، أثبت ما أوجب لهم تلك الحالة فقال: { ولكن عذاب الله } ذي العز والجبروت { شديد* } فهو الذي وجب أن يظن بهم السكر، لأنه أذهب خوفه حولهم، وطير هوله عقولهم.
ولما أفهم العطف الآتي أن الناس قسمان، وأن التقدير: فإن منكم من يؤمن فبتقي فينجو من شر ذلك اليوم الذي اقتضت الحكمة إظهار العظمة فيه ليزداد حزب الله فرحاً، وحزب الشيطان غماً وترحاً، عطف عليه قوله: { ومن الناس } أي المذبذبين المضطربين { من } لا يسعى في إعلاء نفسه وتهذيبهاً فيكذب فيوبق بسوء أعماله، لأنه { يجادل في الله } أي في قدرة الملك الأعظم على ذلك اليوم وفي غير ذلك من شؤونه بعد أن جاءه العلم بها اجتراء على سلطانه العظيم { بغير علم } بل بالباطل الذي هو جهل صرف، فيترك اتباع الهداة النصحاء { ويتبع } بغاية جهده في جداله { كل شيطان } أي محترق بالشر مبعد باللعن.
ولما كان السياق لذم متبعه، أشار إلى أنه لا قصد له في اتباعه إلا الشر، لأنه لا لبس في أمره بصيغة المبالغة كما مضى في النساء ويأتي في الصافات، فقال: { مريد* } أي متجرد للفساد لا شغل له غيره، فهو في غاية الضراوة عليه، قال البيضاوي: وأصله العرى { كتب } أي قضى وقدر على سبيل الحتم الذي لا بد منه، تعبير باللازم عن الملزوم { عليه } أي على ذلك الشيطان { أنه من تولاه } أي فعل معه فعل الولي مع وليه، باتباعه والإقبال على ما يزينه { فأنه يضله } بما يبغض إليه من الطاعات فيخطىء سبيل الخير.
ولما نفّر عن توليه بإضلاله لأن الضلال مكروه إلى كل أحد، بين أنه إضلال لا هدى معه أصلاً فقال: { ويهديه } أي بما يزين له من الشهوات، الحاملة على الزلات، إعلاماً بأنه إن كان له هدى إلى شيء فهو { إلى عذاب السعير* }. ولما حذر الناس من ذلك اليوم، وأخبر أن منهم من يكذب، وعرف بمآله، فأفهم ذلك أن منهم من يصدق به فيكون له ضد حاله، وكان كثير من المصدقين يعملون عمل المكذبين، أقبل عليهم سبحانه إقبالاً ثانياً رحمة لهم، منبهاً على أنه ينبغي أن لا يكون عندهم نوع من الشك في ذلك اليوم لما عليه من الآيات في الآفاق وفي أنفسهم، فقال دالاً عليه بالأمرين: { يا أيها الناس } أي كافة، ويجوز أن يراد المنكر فقط، وعبر بالناس الذي هو من أسفل الأوصاف لذلك، وإشارة إلى أن المنكر والعامل عمله - وإن كان مصدقاً - هم أكثر الناس، وعبر بأداة الشك إشارة إلى أن الذي يقتضيه الحال جزمهم به فقال: { إن } وبين أنه ما عبر به إلا للتوبيخ، لا للشك في أمرهم، بجعل الشرط ماضياً، ودل بـ "كان" وبالظرف على ما تمكن الريب منهم فقال: { كنتم في ريب } أي شك وتهمة وحاجة إلى البيان { من البعث } وهو قيام الأجسام بأرواحها كما كانت قبل مماتها سواء، استعظاماً لأن نقدر عليه { فإنا خلقناكم } بقدرتنا التي لا يتعاظمها شيء { من تراب } لم يسبق له اتصاف بالحياة { ثم من نطفة } حالها أبعد شيء عن حال التراب، فإنها بيضاء سائلة لزجة صافية كما قال
{ { من ماء دافق } [الطارق: 6] وأصلها الماء القليل - قاله البغوي. وأصل النطف الصب - قاله البيضاوي. { ثم من علقة } أي قطعة دم حمراء جامدة، ليس فيها أهلية للسيلان { ثم من مضغة } أي قطعة لحم صغيرة جداً تطورت إليها النطفة { مخلقة } بخلقة الآدمي التمام { وغير مخلقة } أي أنشأناكم من تراب يكون هذا شأنه، وهو أنا ننقله في هذه الأطوار إلى أن يصير مضغة، فتارة يخلقها ويكون منها آدمياً، وتارة لا يخلقها بل يخرجها من الرحم فاسدة، أو تحرقها حرارته، أو غير مخلقة تخليقاً تاماً بل ناقصاً مع وجود الروح كشق الذي كان شق آدمي، وسطيح الذي كان علواً بلا سفل ونحوهما { لنبين لكم } كمال قدرتنا، وتمام حكمتنا، وأن ذلك ليس كائناً عن الطبيعة، لأنه لو كان عنها لم يختلف، فدل اختلافه على أنه عن فاعل مختار، قادر قهار، وحذف المفعول إشارة إلى أنه يدخل فيه كل ما يمكن أن يحيط به العقول.
ولما كان التقدير: فنجهض منه ما لا نشاء إتمامه، عطف عليه قوله: { ونقر في الأرحام } أي من ذلك الذي خلقناه { ما نشاء } إتمامه { إلى أجل مسمى } قدرناه لإتمامه ما بين ستة أشهر إلى ما نريد من الزيادة على ذلك، بحسب قوة الأرحام وضعفها، وقوة المخلقات وضعفها وكثرة ما تغتذيه من الدماء وقلته، وزكائه وخبثه، إلى غير ذلك من أحوال وشؤون لا يعلمها إلا بارئها، جلت قدرته، وتعالت عظمته، وأما ما لم نشأ إتمامه فإن الأرحام تمجه بقدرتنا وتلقيه دون التمام أو تحرقه فيضمحل { ثم نخرجكم } بعد ذلك { طفلاً } أي في حال الطفولة من صغر الجثة وضعف البدن والسمع والبصر وجميع الحواس، لئلا تهلكوا أمهاتكم بكبر أجرامكم، وعظم أجسامكم، وهو يقع على جميع، وعبر به دونه للتساوي في ضعف الظاهر والباطن.
ولما ذكر أضعف الضعف ذكر أقوى القوة عاطفاً له عليه لما بينهما من المهلة بأداة التراخي فقال: { ثم } أي نمد أجلكم { لتبلغوا } بالانتقال في أسنان الأجسام فيما بين الرضاع، إلى حال اليفاع، إلى زمان الاحتلام، وقوة الشباب والتمام { أشدكم } أي نهاية كل شدة قدرناها لكل واحد منكم { ومنكم من يتوفى } قبل ما بعد ذلك من سن الشيخوخة { ومنكم من يرد } بالشيخوخة، وبناه للمجهول إشارة إلى سهولته عليه مع استبعاده لولا تكرر المشاهدة عند الناظر لتلك القوة والنشاط وحسن التواصل بين أعضائه والارتباط { إلى أرذل العمر } وهو سن الهرم فينقص جميع قواه { لكيلا يعلم }.
ولما كان السياق للقدرة على البعث الذي هو التحويل من حال الجمادية إلى ضده بغاية السرعة، أثبت "من" الابتدائية للدلالة على قرب زمن الجهل من زمن العلم، فربما بات الإنسان في غاية الاستحضار لما يعلم والحذق فيه فعاد في صبيحة ليلته أو بعد أيام يسيرة جداً من غير كبير تدريج لا يعلم شيئاً، وأفهم إسقاط حرف الانتهاء أنه ربما عاد إليه علمه، وربما اتصل جهله بالموت بخلاف ما مضى في النحل فقال: { من بعد علم } كان أوتيه { شيئاً } بل يصير كما كان طفلاً في ضعف الجواهر والأعراض، لتعلموا أن ذلك كله فعل الإله الواحد المختار، وأنه لو كان فعل الطبيعة لازداد بطول البقاء نمواً في جميع ذلك، وقد علم - بعود الإنسان في ذهاب العلم وصغر الجسم إلى نحو ما كان عليه في ابتداء الخلق - قطعاً أن الذي أعاده إلى ذلك قادر على إعادته بعد الممات، والكون على حال الرفات.
ولما تم هذا الدليل على الساعة محكم المقدمات واضح النتائج، وكان أول الإيجاد فيه غير مشاهد فعبر عنه بما يليق به، أتبعه دليلاً آخر محسوساً، وعطفه على ما أرشد إليه التقدير من نحو قوله: تجدون أيها الناس ما ذكرناه في أنفسكم، فقال: { وترى } فعبر بالرؤية { الأرض } ولما كان في سياق البعث، عبر بما هو أقرب إلى الموت فقال: { هامدة } أي يابسة مطمئنة ساكنة سكون الميت ليس بها شيء من نبت، ولعله أفرد الضمير توجيهاً إلى كل من يصلح أن يخاطب بذلك { فإذا } أي فننزل عليها ماء من مكان لا يوجد فيه ثم ينزل منه إلا بقدرة عظيمة وقهر باهر، فإذا { أنزلنا } بما لنا من العظمة { عليها الماء اهتزت } أي تحركت بنجوم النبات اهتزاز الحي، وتأهلت لإخراجه؛ قال الرازي: والاهتزاز: شدة الحركة في الجهات المختلفة. { وربت } أي انتفخت، وذلك أول ما يظهر منها للعين وزادت ونمت بما يخرج منها من النبات الناشىء عن التراب والماء { وأنبتت } بتقديرنا { من كل زوج } أي صنف عادلناه بصنف آخر جعلناه تمام نفعه به { بهيج* } أي مؤنق من أشتات النباتات في اختلاف ألوانها وطعومها، وروائحها وأشكالها، ومنافعها ومقاديرها رائقة المناظر، لائقة في العيون والبصائر، قال الرازي: فكما أن النبات يتوجه من نقص إلى كمال، فكذلك الآدمي يترقى من نقص إلى كمال، ففي المعاد يصل إلى كماله الذي أعد له من البقاء والغنى والعلم والصفاء والخلود، أي السعيد منه في دار السلام مبراً عن عوارض هذا العالم - انتهى.