التفاسير

< >
عرض

وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلصَّآفُّونَ
١٦٥
وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلْمُسَبِّحُونَ
١٦٦
وَإِن كَانُواْ لَيَقُولُونَ
١٦٧
لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ
١٦٨
لَكُنَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ
١٦٩
فَكَفَرُواْ بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ
١٧٠
وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ
١٧١
-الصافات

نظم الدرر في تناسب الآيات والسور

ولما سلب عن الكل كل شيء من القدرة إلا ما وهبهم، وكان الكفار يدعون أنهم يعبدون الله تعالى وينزهونه وأن الإشراك لا يقدح في ذلك، بين أن المخلصين خصواً دونهم بمواقف الصفاء، ومقامات الصدق والوفاء، لأن طاعتهم أبطلها إشراكهم، فقال مؤكداً ومخصصاً: { وإنا } أي يا معشر المخلصين { لنحن } أي دونكم { الصافون * } أي أنفسنا في الصلاة والجهاد وأجنحتنا في الهواء فيما أرسلنا به وغير ذلك لاجتماع قلوبنا على الطاعة { وإنا لنحن المسبحون * } أي المنزهون له سبحانه عن كل نقص مما ادعيتموه من البنات وبجوز أن يكون المعنى: لنا هذا الفعل، وهو الصف والتسبيح، ولا ينوي له مفعول البتة.
ولما بين ضلالهم وهداه صلى الله عليه وسلم وهدى من اتبعه - بما أشار إليه بصفة الربوبية التي أضافها إليه في قوله "ألربك" أعلم بأنهم زادوا على عيب الضلال في نفسه عيب الإخلاف للوعد والنقض لما أكدوه من العهد، فقال مؤكداً إشارة إلى أنه لا يكاد يصدق أن عاقلاً يؤكد على نفسه في أمر ثم يخلفه جواباً لمن يقول: هل نزهوه كما نزهه المخلصون: { وإن } أي فعلوا ذلك من الضلال بالشبه التي افتضحت بما كشفناه من ستورها ولم ينزهوا كما نزه المخلصون والحال أنهم { كانوا } قبل هذا { ليقولون } أي قولاً لا يزالون يجددونه مع ما فيه من التأكيد { لو أن عندنا ذكراً } أي على أيّ حال كان من أحواله من كتاب أو غيره { من الأولين } أي من الرسل الماضين { لكنا عباد الله } أي بحيث أنا نصير أهلاً للإضافة إلى المحيط بصفات الكمال { المخلصين * } أي في العبادة له بلا شائبة من شرك أصلاً.
ولما كان هذا الذكر - الذي أتاهم مع كونه أعظم ذكر أتى مصدقاً لكتب الأولين وكان الرسول الآتي به أعظم الرسل، فكان لذلك هو عين ما عقدوا عليه مع زيادة الشرف - سبباً لكفرهم قال: { فكفروا به } أي فتسبب عما عاهدوا عليه أنهم كفروا بذلك الذكر مع زيادته في الشرف على ما طلبوا بالإعجاز وغيره فتسبب عن ذلك تهديدهم ممن أخلفوا وعده، ونقضوا مع التأكيد عهده، فقال: { فسوف يعلمون * } أي بوعيد ليس هو من جنس كلامهم، بل هو مما لا خلف فيه بوجه. ولما كان التقدير كما أرشد إليه سياق التهديد: فلقد سبقت كلمتنا على من خالف رسلنا بالخذلان المهين، عطف عليه قوله: { ولقد سبقت } أي في الأزل { كلمتنا } أي على ما لنا من العظمة { لعبادنا } أي الذين أخلصوا لنا العبادة في كل حركة وسكون { المرسلين * } الذين زدناهم على شرف الإخلاص في العبودية شرف الرسالة.