التفاسير

< >
عرض

يَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ
٤٤
نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِٱلْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ
٤٥

نظم الدرر في تناسب الآيات والسور

ولما تحقق بذلك أمر البعث غاية التحقق، صور خروجهم فيه فقال معلقاً بما ختم به الابتداء مما قبله زيادة في تفخيمه وتعظيمه وتبجيله: { يوم تشقق الأرض } وعبر بفعل المطاوعة لاقتضاء الحال له، وحذف تاء المطاوعة إشارة إلى سهولة الفعل وسرعته { عنهم } أي مجاوزة لهم بعد أن كانوا في بطنها فيخرجون منها أحياء كما كانوا على ظهرها أحياء، حال كونهم { سراعاً } إلى إجابة مناديها، وأشا إلى عظمه بقوله: { ذلك } أي الإخراج العظيم جداً { حشر } أي جمع بكره، وزاد في بيان عظمة هذا الأمر بدلالته على اختصاصه بتقديم الجار فقال: { علينا } أي خاصة { يسير * } فكيف يتوقف عاقل فيه فضلاً عن أن ينكره، وأما غيرنا فلا يمكنه ذلك بوجه. انتهى.
ولما أقام سبحانه الأدلة على تمام قدرته وشمول علمه وختم بسهولته عليه واختصاصه به، وصل تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم بتهديدهم على تكذيبهم بالعلم الذي هو أعظم التهديد فقال: { نحن } أي لا غيرنا ولا هم أنفسهم { أعلم } أي من كل من يتوهم فيه العلم { بما يقولون } أي في الحال والاستقبال من التكذيب بالبعث وغيره مع إقرارهم بقدرتنا.
ولما كان التقدير: فنحن قادرون على ردهم عنه بما لنا من العلم المحيط وأنت لهم منذير تنذرهم وبال ذلك، عطف عليه قوله: { وما أنت عليهم } ولما أفاد حرف الاستعلاء القهر والغلبة صرح به مؤكداً في النفي فقال: { بجبار } أي متكبر قهار عات تردهم قهراً عما تكره منهم من الأقوال والأفعال، إنما أنت منذر، ولما نفى عنه الجبروت، أثبت لهم ما أفهمه واو العطف من النذارة كما قدرته قبله، فقال مسبباً عنه معبراً بالتذكير الذي يكون عن نسيان لأن كل ما في القرآن من وعظ إذا تأمله الإنسان وجده شاهداً في نفسه أو فيما يعرفه من الآفاق { فذكر } أي بطريق البشارة والنذارة { بالقرآن } أي الجامع بمجده لكل خير المحيط كل صلاح { من يخاف وعيد * } أي يمكن خوفه، وهو كل عاقل، ولكنه ساقه هكذا إعلاماً بأن الذي يخاف بالفعل فيكشف الحال عن إسلامه هو المقصود بالذات، وغيره إنما يقصد لإقامة الحجة عليه لا لدده ولا يؤسف عليه ولا يتأثر بتكذيبه بل يعتقد أنه عدم لا تضر عداوته ولا تنفع ولايته، وما آذى إلا نفسه وكل من والاه في الدنيا والآخرة، وهذا هو المجد للقرآن ولمن أنزله ولمن أتى به عنه بتمام قدرة من هو صفته وشمول علمه، فقد انعطف هذا الآخر على ذلك الأول أشد انعطاف، والتفت فروعه بأصله أتم التفاف، فاعترفت به أولو براعة وأهل الإنصاف والاتصاف بالتقدم في كل صناعة بالسبق الذي لا يمكن لحاقه أيّ اعتراف. والله الهادي للصواب.