التفاسير

< >
عرض

فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
١١
ٱلَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ
١٢
يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا
١٣
هَـٰذِهِ ٱلنَّارُ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ
١٤
أَفَسِحْرٌ هَـٰذَا أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ
١٥
ٱصْلَوْهَا فَٱصْبِرُوۤاْ أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
١٦
-الطور

نظم الدرر في تناسب الآيات والسور

ولما حقق العذاب وبين يومه، بين أهله بقوله مسبباً عن ذلك: { فويل } هي كلمة يقولونها لمن وقع في الهلاك، ومعناه حلول شر فاضح يكون فيه ندبة وتفجع { يومئذ } أي يوم إذ يكون ما تقدم ذكره { للمكذبين * } أي العريقين في التكذيب وهم من مات على نسبة الصادقين إلى الكذب.
ولما كان التكذيب قد يكون في محله، بين أن المراد تكذيب ما محله الصدق فقال: { الذين هم } أي من بين الناس بظواهرهم وبواطنهم { في خوض } أي أعمالهم وأقوالهم أعمال الخائض في ماء، فهو لا يدري أين يضع رجله. ولما كان ذلك قد يكون من دهشة بهم أو غم، نفى ذلك بقوله: { يلعبون * } فاجتمع عليهم أمران موجبان للباطل: الخوض واللعب، فهم بحيث لا يكاد يقع لهم قول ولا فعل في موضعه، فلا يؤسس على بيان أو حجة. ولما صور تكذيبهم بأشنع صورة، بين ويلهم ببيان ظرفه وما يفعل فيه فقال: { يوم يدّعون } أي يدفعون دفعاً عنيفاً بجفوة وغلظة من كل ما يقيمه الله لذلك، ذاهبين ومنتهين { إلى نار جهنم } وهي الطبقة التي تلقاهم بالعبوسة والكراهة والغليظ والزفير، وأكد المعنى وحققه بقوله: { دعاً * } قال البغوي: وذلك أن خزنه جهنم يعلون أيديهم إلى أعناقهم ويجمعون نواصيهم إلى أقدامهم فم يدفعون دفعاً على وجوههم وزجاً في أقفيتهم، مقولاً لهم تبكيتاً وتوبيخاً: { هذه النار } أي الجسم المحرق المفسد لما أتى عليه، الشاغل عن اللعب { التي كنتم } بجبلاتكم الفاسدة. ولما كان تكذيبهم بها في أقصى درجات التكذيب، وكان سبباً لكل تكذيب، كان كأنه مقصور عليه فقال مقدماً للظرف إشارة إلى ذلك، { بها تكذبون * } أي في الدنيا على التجديد والاستمرار.
ولما كانوا يقولون عناداً: إن القرآن بما فيه من الوعيد سحر، سبب عن ذلك الوعيد قوله مبكتاً موبخاً متهكماً: { أفسحر هذا } أي الذي أنتم فيه من العذاب مع هذا الإحراق الذي تصلون منه { أم أنتم } في منام ونحوه { لا تبصرون * } بالقلوب كما كنتم تقولون في الدنيا
{ قلوبنا في أكنة } [فصلت: 5] ولا بالأعين كما كنتم تقولون للمذرين { من بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون } [فصلت: 5] أي أنتم عمي عن المخبر عنه مع إحراقه لهم كما كنتم عمياً عن الخبر أي هل تستطيعون أن تقولوا إنكم لا تبصرون المخبر عنه كما كنتم تقولون في الخبر كذباً وفجوراً، ثم يقال لهم بعد هذا التبكيت الذي يقطع بأن جوابهم يكون بأن يقولوا: لا وعزة ربنا ما هو بسحر ولا خيال، بل هو حقيقة، ونحن في غاية الإبصار على سبيل الإخزاء، والامتهان والإذلال: { اصلوها } أي باشروا حرها وقاسوه وواصلوه كما كنتم تواصلون أذى عبادي بما يحرق قلوبهم { فاصبروا } أي فيتسبب عن تكذيبكم في الدنيا ومباشرتكم لها الآن أن يقال لكم: اصبروا على هذا الذي لا طاقة لكم به { أو لا تصبروا } فإنه لا محيص لكم عنها { سواء عليكم } أي الصبر والجزع.
ولما كان المعهود أن الصبر له مزية على الجزع، بين أن ذلك حيث لا تكون المصيبة إلا على وجه الجزاء الواجب وقوعه فقال معللاً: { إنما تجزون } أي يقع جزاؤكم الآن وفيما يأتي على الدوام { ما كنتم } أي دائماً بما هو لكم كالجبلة { تعملون * } مع الأولياء غير مبالين بهم، فكان هذا ثمرة فعلكم بهم.