التفاسير

< >
عرض

أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ ٱلْخَالِقُونَ
٣٥
أَمْ خَلَقُواْ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ
٣٦
أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ ٱلْمُصَيْطِرُونَ
٣٧
أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ
٣٨
-الطور

نظم الدرر في تناسب الآيات والسور

ولما مضت فضيحتهم بالتحدي، وكانت عندهم فضيحة التناقض دون فضيحة المعارضة، فكانوا يقدمونها عليها، فلم يحدث أحد منهم يوماً من الأيام بشيء مما يعارضه به علماً منهم بأنهم يصيرون بذلك إلى خزي لا يمكن أن يغسل عاره كما صار مسيلمة، لأنهم كانوا أعقل العرب وكان التقدير كما هدى إليه السياق: فإنك مستوٍ معهم بالنسبة إلى إيجاد الله لكم، هو سبحانه خالقهم كما أنه خالقك، ولا خصوصية لك منه على زعمهم: أهو خالقهم كما هو خالقك فيلزمهم أن يأتوا بمثل ما تأتي به، وكان ذلك على تقدير إقرارهم بالله وادعائهم لكذبه صلى الله عليه وسلم، عادله سبحانه تبكيتاً لهم وإظهاراً لفضائح هي أشنع مما فروا منه من المعارضة بقوله على تقدير أن يكونوا منكرين للإله أو مدعين لأن يكونوا آلهة: { أم خلقوا } أي وقع خلقهم على هذه الكيفية المتقنة { من غير شيء } فيكونوا مخالفين لصريح العقل إذ تعلق الخلق بالخالق من ضرورة الاسم كتعلقه بالمخلوق ليسلم لهم أنك تأتي بما لا يقدرون على معارضته لأنك أقوى منهم بكونك مستنداً إلى خالق وهم ليسوا مستندين إلى شيء أو ليكونوا لذلك أقوى منك وأعلى، فيكون لهم التكبر عليك { أم هم الخالقون * } أي الذين لهم هذا الوصف فيكونون قد خلقوا أنفسهم ليكونوا بذلك شركاء فيكون الخالق والمخلوق واحداً، وهو مثل القسم الذي قبله في عدم الاستناد إلى شيء أو يكون ثبوت هذا الوصف لهم موجباً لأن يكونوا على ثقة مما يقولون وللتكبر عليك، فإن ادعوا ذلك حكم أدنى الخلق بجنونهم؛ { أم خلقوا } أي على وجه الشركة { السماوات والأرض } فهم لذلك عالمون بما فيها على وجه الإحاطة واليقين حتى علموا أنك تقولته ليصير لهم رده والتهكم عليه.
ولما كان التقدير: لم يكن شيء من ذلك ليكون لهم شبهة في الكلام فيك، عطف عليه قوله: { بل لا يوقنون * } أي ليس لهم نوع يقين ليسكنوا إلى شيء واحد لكونه الحق أو ليعلموا أن هذه الملازم الفاضحة تلزمهم فيكفوا عن أمثالهم { أم عندهم } أي خاصة دون غيرهم { خزائن } ولما كان ذكر الرحمة لا يقتضيه مقصود السورة الذي هو العذاب، لم تذكر كما في ص وسبحان فقيل: { ربك } المحسن إليك بإرسالك بهذا الحديث فيعلموا أن هذا الذي أثبت به ليس من قوله لأنه لا تصرف له في الخزائن إلا بهم، فيصح قولهم: إنك تقولته وحينئذ يلزمهم فضائح لا آخر لها، منها أن يأتوا بحديث مثله بل أحسن منه من تلك الخزائن { أم هم } لا غيرهم { المسيطرون * } أي الرقباء الحافظون والجبارون والمسلطون الرؤساء الحكماء الكتبة، ليكونوا ضابطين للأشياء كلها كما هو شأن كتّاب السر عند الملوك فيعلموا أنك تقولت هذا الذكر لأنهم لم يكتبوا به إليك { أم لهم سلّم } يصعدون به إلى السماء { يستمعون } أي يتعمدون السمع لكل ما يكون فيها ومنها { فيه } أي في ذلك السلم وبسببه كما يكون بعض من يحضر مجالس الملوك في الدنيا ويعلم ما يقع فيها ليكونوا ضابطين لما يأتي من الملك فيعلموا أن ما قالوه فيك حق ولما كان من يكون هكذا متمكناً من الإتيان منها بالعجائب، سبب عنه قوله: { فليأت مستمعهم } إن ادعوا ذلك { بسلطان مبين * } أي حجة قاهرة بينة في نفسها، موضحة لأنها من السماء على صحة ما يرمونك به.