التفاسير

< >
عرض

سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ
٤٥
بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَٱلسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ
٤٦
إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ
٤٧
يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ
٤٨
-القمر

نظم الدرر في تناسب الآيات والسور

ولما كان لسان الحال ناطقاً بأنهم يقولون: هذا كله فأي الفريقين خير مقاماً وأحسن ندياً ونحوها، وقال بعضهم: لئن بعثنا لأوتينا وولداً، ولا شك أنهم كانوا في غاية الاستحالة لغلبة المؤمنين لهم على قلتهم وضعفهم، استأنف الجواب بقوله: { سيهزم } بأيسر أمر من أي هازم كان بوعد لا خلف فيه، وقراءة الجمهور بالبناء للمفعول مفهمة للعظمة بطريقة كلام القدرين، فهي أبلغ من قراءة يعقوب بالنون والبناء للفاعل الدالة على العظمة صريحاً { الجمع } الذي تقدم أنه بولغ في جمعه فصدق الله وعده وهزموا في يوم بدر وغيره في الدنيا عن قريب، ولم يزالوا يضعفون حتى اضمحل أمرهم وزال بالكلية سرهم، وهي من دلائل النبوة البينة { ويولون الدبر * } أي يقع توليتهم كلهم بهذا الجنس بأن يكون والياً لها من منهم مع الهزيمة لأنه لم يتولهم في حال الهزيمة نوع مسكنة يطمعون بها في الخيار، وكل من إفراد الدبر والمنتصر وجمع المولين أبلغ مما لو وضع غيره موضعه وأقطع للتعنت.
ولما ونقع هذا في الدنيا، وكان في يوم بدر، وكان ذلك من أعلام النبوة، وكان ربما ظن ظان أن ذلك هو النهاية، كان كأنه قيل: ليس ذلك الموعد الأعظم: { بل الساعة } القيامة التي يكون فيها الجمع الأعظم والهول الأكبر { موعدهم } أي الأعظم للجزاء المتوعد به { والساعة أدهى } من كل ما يفرض وقوعه في الدنيا، أفعل تفضيل من الداهية وهي أمر هائل لا يهتدي لدوائه { وأمر * } لأن عذابها للكافر غير مفارق ومزايل. ولما أخبر عن الساعة بهذا الإخبار الهائل، علله مقسماً لأهلها مجملاً بعض ما لهم عند قيامها بقوله مؤكداً لما أظهروا من التكذيب: { إن المجرمين } أي القاطعين لما أمر الله بأن يوصل { في ضلال } أي عمى عن القصد بتكذيبهم بالبعث محيط بهم مانع من الخلاص من دواهي الساعة وغيرها، ومن الوصول إلى شيء من مقاصدهم التي هم عليها الآن معتمدون { وسعر } أي نيران تضطرم وتتقد غاية الاتقاد { يوم } أي في ذلك اليوم الموعود به { يسحبون } أي في الساعة دائماً بأيسر وجه إهانة لهم من أي صاحب كان { في النار } أي الكاملة في النارية { على وجوههم } لأنهم في غاية الذل والهوان جزاء بما كانوا يذلون أولياء الله تعالى، مقولاً لهم من أي قائل اتفق: { ذوقوا } أي لأنهم لا منعة لهم ولا حمية عندهم بوجه { مس سقر * } أي ألم مباشرة الطبقة النارية التي تلفح بحرها فتلوح الجسم وتذيبه فيسيل ذهنه... وعصاراً كما يسيل الدبس وعصارة الرطب فتسمى النخلة بذلك مسقاراً.