التفاسير

< >
عرض

مَّنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً
١٥
وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً
١٦
وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً
١٧
-الإسراء

الدر المنثور في التفسير بالمأثور

أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ إذا كان يوم القيامة جمع الله أهل الفترة‏:‏ المعتوه والأصم والأبكم والشيوخ الذين لم يدركوا الإسلام، ثم أرسل إليهم رسولاً أن ادخلوا النار، فيقولون كيف‏؟‏ ولم تأتنا رسل‏!‏ قال‏:‏ وايم الله، لو دخلوها لكانت عليهم برداً وسلاماً، ثم يرسل إليهم، فيطيعه من كان يريد أن يطيعه‏.‏ قال أبو هريرة رضي الله عنه‏:‏ اقرأوا إن شئتم ‏ { ‏وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً‏ }‏‏.
وأخرج إسحق بن راهويه وأحمد وابن حبان وأبو نعيم في المعرفة والطبراني وابن مردويه والبيهقي في كتاب الاعتقاد، عن الأسود بن سريع - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم‏:
‏ ‏ "‏أربعة يحتجون يوم القيامة‏:‏ رجل أصم لا يسمع شيئاً، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في الفطرة، فأما الأصم، فيقول‏:‏ رب، لقد جاء الإسلام، وما أسمع شيئاً، وأما الأحمق، فيقول‏:‏ رب، جاء الإسلام والصبيان يحذفونني بالبعر، وأما الهرم فيقول‏:‏ رب، لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئاً، وأما الذي مات في الفطرة فيقول‏:‏ رب، ما آتاني لك رسول‏.‏ فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه، ويرسل إليهم رسولاً أن ادخلوا النار‏.‏ قال‏:‏ فوالذي نفس محمد بيده، لو دخلوها كانت عليهم برداً وسلاماً، ومن لم يدخلها سحب إليها"
‏"‏‏. وأخرج ابن راهويه وأحمد وابن مردويه والبيهقي، عن أبي هريرة رضي الله عنه مثله، غير أنه قال في آخره‏:‏ فمن دخلها كانت عليه برداً وسلاماً، ومن لم يدخلها سحب إليها‏.
وأخرج قاسم بن أصبغ والبزار وأبو يعلى وابن عبد البر في التمهيد، عن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏
‏"‏ "يؤتى يوم القيامة بأربعة‏:‏ بالمولود والمعتوه ومن مات في الفترة والشيخ الهرم الفاني، كلهم يتكلم بحجته، فيقول الرب تبارك وتعالى‏:‏ لعنق من جهنم أبرزي، ويقول لكم‏:‏ إني كنت أبعث إلى عبادي رسلاً من أنفسهم، وإني رسول نفسي إليكم‏.‏ فيقول لهم‏:‏ ادخلوا هذه، فيقول‏:‏ من كتب عليه الشقاء يا رب‏؟‏ أندخلها ومنها كنا نفر‏؟‏‏!‏ قال‏:‏ وأما من كتب له السعادة فيمضي فيها، فيقول الرب‏:‏ قد عاينتموني فعصيتموني، فأنتم لرسلي أشد تكذيباً ومعصية، فيدخل هؤلاء الجنة وهؤلاء النار‏" .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول والطبراني وأبو نعيم، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ "يؤتى يوم القيامة بالممسوخ عقلاً، وبالهالك في الفترة، وبالهالك صغيراً، فيقول الممسوخ عقلا‏ً:‏ يا رب، لو آتيتني عقلاً ما كان من آتيته عقلاً بأسعد بعقله مني، ويقول الهالك في الفترة رب لو أتاني منك عهد ما كان من أتاه منك عهد بأسعد بعهدك مني، ويقول الهالك صغيراً‏:‏ يا رب، لو آتيتني عمراً ما كان من أتيته عمراً بأسعد بعمره مني، فيقول الرب: - تبارك وتعالى -‏ فإني آمركم بأمر أفتطيعوني‏؟‏ فيقولون‏:‏ نعم وعزتك، فيقول لهم‏:‏ اذهبوا فادخلوا جهنم، ولو دخلوها ما ضرتهم شيئاً، فخرج عليهم قوابص من نار يظنون أنها قد أهلكت ما خلق الله من شيء، فيرجعون سراعاً ويقولون‏:‏ يا ربنا، خرجنا وعزتك نريد دخولها، فخرجت علينا قوابص من نار، ظننا أن قد أهلكت ما خلق الله من شيء، ثم يأمرهم ثانية، فيرجعون كذلك ويقولون‏:‏ كذلك، فيقول الرب‏:‏ خلقتكم على علمي، وإلى علمي تصيرون، ضميهم، فتأخذهم النار‏"
‏‏. وأخرج ابن أبي شيبة، عن أبي صالح رضي الله عنه قال‏:‏ يحاسب يوم القيامة الذين أرسل إليهم الرسل، فيدخل الله الجنة من أطاعه، ويدخل النار من عصاه، ويبقى قوم من الولدان والذين هلكوا في الفترة، فيقول‏:‏ وإني آمركم أن تدخلوا هذه النار، فيخرج لهم عنق منها، فمن دخلها كانت نجاته، ومن نكص فلم يدخلها كانت هلكته‏.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، عن عبد الله بن شداد رضي الله عنه‏:‏
"أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتاه رجل فسأله عن ذراري المشركين الذين هلكوا صغارا‏ً؟‏ فوضع رأسه ساعة ثم قال‏:‏ أين السائل‏؟ فقال‏:‏ ها أنا يا رسول الله، فقال‏:‏ إن الله تبارك وتعالى إذا قضى بين أهل الجنة والنار لم يبق غيرهم عجّوا، فقالوا‏:‏ اللهم ربنا، لم تأتنا رسلك ولم نعلم شيئاً، فأرسل إليهم ملكاً، والله أعلم بما كانوا عاملين، فقال‏:‏ إني رسول ربكم إليكم، فانطلقوا فاتبعوا حتى أتوا النار، فقال‏:‏ إن الله يأمركم أن تقتحموا فيها، فاقتحمت طائفة منهم، ثم أخرجوا من حيث لا يشعر أصحابهم، فجعلوا في السابقين المقربين، ثم جاءهم الرسول فقال‏: ‏إن الله يأمركم أن تقتحموا في النار، فاقتحمت طائفة أخرى، ثم خرجوا من حيث لا يشعرون، فجعلوا في أصحاب اليمين، ثم جاء الرسول فقال‏:‏ إن الله يأمركم أن تقتحموا في النار، فقالوا‏:‏ ربنا، لا طاقة لنا بعذابك، فأمر بهم، فجمعت نواصيهم وأقدامهم ثم ألقوا في النار والله أعلم"
‏"‏‏. وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله‏:‏ ‏ { ‏أمرنا مترفيها‏ } ‏ قال أمروا بالطاعة فعصوا‏.
وأخرج ابن أبي حاتم عن شهر بن حوشب رضي الله عنه قال‏:‏ سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول؛ في قوله‏:‏ ‏ { ‏وإذا أردنا أن نهلك قرية‏ }‏ الآية‏.‏ قال‏:‏ ‏ { ‏أمرنا مترفيها‏ } ‏ بحق، فخالفوه، فحق عليهم بذلك التدمير.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله‏:‏ ‏ { ‏وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها‏ } ‏ قال‏:‏ سلطنا شرارها فعصوا فيها، فإذا فعلوا ذلك، أهلكناهم بالعذاب‏.‏ وهو قوله‏:
‏ ‏{ ‏ { وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها‏ } }‏ ‏[الأنعام: 123‏]‏‏.
وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما‏:‏ أن نافع بن الأزرق قال له‏:‏ أخبرني عن قوله وجل‏:‏ ‏ { ‏أمرنا مترفيها‏ } ‏ قال‏:‏ سلطنا عليهم الجبابرة فساموهم سوء العذاب‏.‏ قال‏:‏ وهل تعرف العرب ذلك‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ أما سمعت لبيد بن ربيعة وهو يقول‏:

إن يعطبوا يبرموا وإن أمروا يوماً يصيروا للهلك والفقد

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن أبي العالية رضي الله عنه - كان يقرأ ‏ { ‏أمرنا مترفيها‏ } ‏ مثقلة‏.‏ يقول‏:‏ أمرنا عليهم أمراء‏.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قرأ ‏"‏آمرنا مترفيها‏"‏ يعني بالمد‏.‏ قال‏:‏ أكثرنا فساقها‏.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر، عن عكرمة - رضي الله عنه - أنه قرأ ‏ { ‏أمرنا مترفيها‏ } ‏ قال‏:‏ أكثرناهم‏.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن أبي الدرداء رضي الله عنه ‏ { ‏أمرنا مترفيها‏ }‏ قال‏:‏ أكثرنا‏.
وأخرج البخاري وابن مردويه، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال‏:‏ كنا نقول للحي إذا كثروا في الجاهلية قد أمروا بني فلان‏.