التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً
٢٩
إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً
٣٠
-الإسراء

الدر المنثور في التفسير بالمأثور

أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر، عن يسار بن الحكم رضي الله عنه قال‏:‏ أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بزمن العراق، وكان معطاء كريماً، فقسمه بين الناس، فبلغ ذلك قوماً من العرب، فقالوا‏:‏ أنأتي النبي صلى الله عليه وسلم فنسأله‏؟‏ فوجدوه قد فرغ منه، فأنزل الله ‏{ ‏ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك‏ } ‏قال‏:‏ محبوسة { ‏ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً‏ } ‏يلومك الناس { ‏محسورا‏ً } ‏ليس بيدك شيء‏.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن المنهال بن عمر وقال‏:‏ بعثت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بابنها فقالت‏:‏ قل له اكسني ثوباً، فقال‏:‏ ما عندي شيء، فقال‏:‏ ارجع إليه فقل له اكسني قميصك، فرجع إليه فنزع قميصه فأعطاه إياه‏.‏ فنزلت { ‏ولا تجعل يدك مغلولة‏ } ‏الآية‏.
وأخرج ابن جرير، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال‏:‏
‏ ‏ "جاء غلام إلى النبي - صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إن أمي تسألك كذا وكذا‏؟‏ فقال‏: ‏ما عندنا اليوم شيء‏ قال‏:‏ فتقول لك اكسني قميصك، فخلع قميصه فدفع إليه، فجلس في البيت حاسراً" ‏‏.‏ فأنزل الله ‏ { ‏ولا تجعل يدك مغلولة‏ }‏ الآية‏.
وأخرج ابن مردويه، عن أبي أمامة رضي الله عنه‏:‏
"أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة‏:‏ وضرب بيده، ‏أنفقي ما ظهر ‏[‏‏7]‏ كفى ‏قالت‏:‏ إذاً لا يبقى شيء‏.‏ قال ذلك‏:‏ ثلاث مرات" ، فأنزل الله تعالى‏:‏ ‏ { ‏ولا تجعل يدك مغلولة‏ } ‏ الآية‏.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما ‏ { ‏ولا تجعل يدك مغلولة‏ } ‏ قال‏:‏ يعني بذلك البخل‏.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله‏:‏ ‏ { ‏ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك‏ }‏ قال‏:‏ هذا في النفقة‏.‏ يقول‏:‏ لا تجعلها مغلولة، لا تبسطها بخير ‏ { ‏ولا تبسطها كل البسط‏ } ‏ يعني التبذير ‏ { ‏فتقعد ملوما‏ً } ‏ يلوم نفسه على ما فاته من ماله‏.‏ ‏{ ‏محسورا‏ً } ‏ ذهب ماله كله‏.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن الحسن رضي الله عنه في قوله‏:‏ ‏{ ‏ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط‏ } ‏ قال نهاه عن السرف والبخل‏.
وأخرج ابن المنذر، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله‏:‏ ‏ { ‏فتقعد ملوماً محسوراً‏ }‏ قال‏:‏ ملوماً عند الناس محسوراً من المال‏.
وأخرج الطستي، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق قال له‏:‏ أخبرني عن قوله‏:‏ ‏ { ‏ملوماً محسوراً‏ } ‏ قال مستحياً خجلاً قال‏:‏ وهل تعرف العرب ذلك‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ أما سمعت قول الشاعر‏:

ما فاد من مني يموت جوادهم إلا تركت جوادهم محسوراً

وأخرج البيهقي في شعب الإيمان، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "‏الرفق في المعيشة خير من نض التجارة‏"
‏‏. وأخرج ابن عدي والبيهقي، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏ "‏من فقه الرجل أن يصلح معيشته‏‏ قال‏:‏ ‏وليس من حبك الدنيا طلب ما يصلحك‏‏‏."
وأخرج ابن عدي والبيهقي، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ "من فقهك رفقك في معيشتك"
‏"‏‏. وأخرج البيهقي، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "‏الإقتصاد في التفقه نصف المعيشة‏"
‏‏. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبيهقي، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله عليه وسلم‏: "ما عال من اقتصد‏"
‏‏. وأخرج ابن عدي والبيهقي، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ "ما عال مقتصد قط"
‏"‏‏. وأخرج البيهقي، عن عبد الله بن شبيب رضي الله عنه قال‏:‏ يقال حسن التدبير مع العفاف خير من الغنى مع الإسراف‏.
وأخرج البيهقي، عن مطرف رضي الله عنه قال‏:‏ خير الأمور أوسطها‏.
وأخرج الديلمي، عن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"‏التدبير نصف المعيشة، والتودّد نصف العقل، والهم نصف الهرم، وقلة العيال أحد اليسارين"
‏"‏. وأخرج أحمد في الزهد، عن يونس بن عبيد رضي الله عنه قال‏:‏ كان يقال‏:‏ التودّد إلى الناس نصف العقل، وحسن المسألة نصف العلم، والاقتصاد في المعيشة يلقي عنك نصف المؤنة‏.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن زيد رضي الله عنه قال‏:‏ ثم أخبرنا كيف يصنع بنا فقال‏:‏ ‏ { ‏إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر‏ }‏ ثم أخبر عباده أنه لا يرزؤه ولا يؤوده أن لو بسط الرزق عليهم، ولكن نظراً لهم منه فقال تبارك وتعالى ‏ { ‏ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير‏ }‏ قال‏:‏ والعرب إذا كان الخصب وبسط عليهم أسروا وقتل بعضهم بعضاً‏!‏ وجاء الفساد وإذا كان السنة شغلوا عن ذلك‏.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن الحسن رضي الله عنه في قوله‏:‏ ‏ { ‏إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر‏ } ‏ قال‏:‏ ينظر له، فإن كان الغنى خيراً له اغناه، وإن كان الفقر خيراً له أفقره‏.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن الحسن رضي الله عنه في قوله‏:‏ ‏ { ‏إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر‏ } ‏ قال‏:‏ يبسط لهذا مكراً به، ويقدر لهذا نظراً له‏.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن زيد قال‏:‏ كل شيء في القرآن يقدر فمعناه يقلل.