التفاسير

< >
عرض

وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ ٱشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ
١٤
وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
١٥
يٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوْ فِي ٱلأَرْضِ يَأْتِ بِهَا ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ
١٦
يٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱنْهَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ
١٧
وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ
١٨
وَٱقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَٱغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ ٱلأَصْوَاتِ لَصَوْتُ ٱلْحَمِيرِ
١٩
-لقمان

الدر المنثور في التفسير بالمأثور

أخرج أبو يعلى والطبراني وابن مردويه وابن عساكر عن أبي عثمان النهدي قال‏:‏ إن سعد بن أبي وقاص قال‏:‏ نزلت هذه الآية ‏ { ‏وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً‏ } ‏ كنت رجلاً براً بأمي، فلما أسلمت قالت‏:‏ يا سعد وما هذا الذي أراك قد أحدَثْتَ‏؟‏ لتَدَعَنَّ دينَك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فَتُعَيَّرَ بي، فيُقال يا قاتل أمه قلت‏:‏ يا أمه لا تفعلي فإني لا أدع ديني هذا لشيء، فمكثت يوماً وليلة لا تأكل، فاصبحت قد جهدت، فمكثت يوماً آخر وليلة وقد اشتد جهدها، فلما رأيت ذلك قلت: يا أمه تعلمين والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني هذا لشيء، فإن شئت فكلي وإن شئت فلا تأكلي، فلما رأت ذلك أكلت‏.‏ فنزلت هذه الآية‏.
وأخرج ابن عساكر عن سعد قال‏:‏ نزلت فيَّ أربع آيات: الأنفال ‏ { ‏وصاحبهما في الدنيا معروفاً‏ } ‏ والوصية والخمر‏.
وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة قال‏:‏ نزلت هذه الآية في سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ‏{ ‏وإن جاهداك على أن تشرك بي‏.‏‏.‏‏.‏‏ }‏ ‏.‏
وأخرج ابن سعد عن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ جئت من الرمي فإذا الناس مجتمعون على أمي حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس، وعلى أخي عامر حين أسلم فقلت‏:‏ ما شأن الناس‏!‏ فقالوا‏:‏ هذه أمك قد أخذت أخاك عامراً تعطي الله عهدا‏ً:‏ أن لا يظلها ظل، ولا تأكل طعاماً، ولا تشرب شراباً حتى يدع الصباوة‏.‏ فأقبل سعد رضي الله عنه حتى تخلص إليها فقال‏:‏ علي يا أمه فاحلفي قالت‏:‏ لم‏؟‏ قال‏:‏ أن لا تستظلي في ظل، ولا تأكلي طعاماً، ولا تشربي شراباً، حتى تريْ مقعدك من النار: فقالت‏:‏ إنما أحلف على ابني البر‏.‏ فأنزل الله ‏ { ‏وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا‏ً }‏ إلى آخر الآية‏.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ‏ { ‏وهناً على وهن‏ } ‏ قال‏:‏ شدة بعد شدة، وخلقاً بعد خلق‏.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني في قوله ‏{ ‏وهناً على وهن‏ } ‏ قال‏:‏ ضعفاً على ضعف‏.‏
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ‏{ ‏وهناً على وهن‏ }‏ قال‏:‏ مشقة وهو الولد‏.‏
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ‏ { ‏وهناً على وهن‏ } ‏ قال‏:‏ الولد على وهن‏؟‏ قال‏:‏ الوالدة وضعفها‏.‏
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله تعالى عنه في قوله ‏ { ‏وصاحبهما في الدنيا معروفا‏ً } ‏ قال‏:‏ تعودهما إذا مرضا، وتتبعهما إذا ماتا، وتواسيهما مما أعطاك الله ‏ { ‏واتبع سبيل من أناب إليَّ‏ }‏ ‏.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله { ‏واتبع سبيل من أناب إليَّ‏ }‏ قال‏:‏ محمد صلى الله عليه وسلم‏.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله ‏ { ‏إنها إن تك مثقال حبة من خردل‏ } قال‏:‏ من خير أو شر ‏{ ‏فتكن في صخرة‏ }‏ قال‏:‏ في جبل‏.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ الأرض على نون، والنون على بحر، والبحر على صخرة خضراء، فخضرة الماء من تلك الصخرة قال‏:‏ والصخرة على قرن ثور، وذلك الثور على الثرى، ولا يعلم ما تحت الثرى إلا الله‏.‏ فذلك قوله‏:‏
‏{ { له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى } ‏ }‏ ‏[‏طه: 6‏]‏ فجميع ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى في حرم الرحمن، فإذا كان يوم القيامة لم يبق شيء من خلقه، قال‏:‏ ‏{ ‏لمن الملك اليوم‏ }‏ فيهتز ما في السموات والأرض فيجيب هو نفسه فيقول‏:‏ ‏ { ‏لله الواحد القهار‏ }‏‏ .‏
وأخرج الفريابي وابن جرير عن أبي مالك رضي الله عنه ‏{ ‏يأت بها الله‏ } ‏ قال‏:‏ يعلمها الله‏.‏
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله ‏{ ‏إن الله لطيف‏ } ‏قال‏:‏ باستخراجها‏.‏ قال‏:‏ بمستقرها‏.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله ‏{ ‏وأمر بالمعروف‏ }‏ يعني بالتوحيد ‏ { ‏وانه عن المنكر‏ } ‏ يعني عن الشرك ‏ { ‏واصبر على ما أصابك‏ } ‏ في أمرهما يقول‏:‏ إذا أمرت بمعروف أو نهيت عن منكر، وأصابك في ذلك أذى وشدة، فاصبر عليه ‏{ ‏إن ذلك‏ } ‏ يعني هذا الصبر على الأذى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‏ { ‏من عزم الأمور‏ } ‏ يعني من حق الأمور التي أمر الله تعالى‏.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله ‏ { ‏واصبر على ما أصابك‏ } ‏ من الأذى في ذلك ‏ { إن ذلك من عزم الأمور‏ } يقول‏:‏ مما عزم الله عليه من الأمور، ومما أمر الله به من الأمور‏.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر والخطيب في تالي التلخيص عن أبي جعفر الخطمي رضي الله عنه أن جده عمير بن حبيب وكانت له صحبة أوصى بنيه قال‏:‏ يا بني إياكم ومجالسة السفهاء فإن مجالستهم داء، إنه من يحلم عن السفيه يسر بحلمه، ومن يحبه يندم، ومن لا يقر بقليل ما يأتي به السفيه يقر بالكثير، ومن يصبر على ما يكره يدرك ما يحب، وإذا أراد أحدكم أن يأمر الناس بالمعروف وينهاهم عن المنكر فليوطن نفسه على الصبر على الأذى، وليثق بالثواب من الله، ومن يثق بالثواب من الله لا يجد مس الأذى‏.
وأخرج الطبراني وابن عدي وابن مردويه عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه
"‏‏أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن قول الله ‏{ ‏ولا تصعر خدك للناس‏ }‏ قال‏:‏ ليّ الشدق‏"
‏‏. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ‏ { ‏ولا تصعر خدك للناس‏ } ‏ يقول‏:‏ لا تتكبر‏.‏ فتحقر عباد الله، وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك‏.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ‏{ ‏ولا تصعر خدك للناس‏ } ‏ قال‏:‏ هو الذي إذا سلم عليه لوى عنقه كالمستكبر‏.
وأخرج الفريابي وابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ‏ { ‏ولا تصعر خدك للناس‏ }‏ قال‏:‏ الصدود والإِعراض بالوجه عن الناس‏.‏
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله ‏{ ‏ولا تصعر خدك للناس‏ } ‏ يقول‏:‏ لا تعرض وجهك عن فقراء الناس تكبرا‏ً.‏
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن الربيع بن أنس رضي الله عنه في قوله ‏{ ‏ولا تصعر خدك للناس‏ } ‏ قال‏:‏ ليكن الفقير والغني عندك في العلم سواء، وقد عوتب النبي صلى الله عليه وسلم ‏{ ‏عبس وتولى‏ }‏‏.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ‏ { ‏واقصد في مشيك‏ } ‏ قال‏:‏ تواضع‏.‏
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن يزيد بن أبي حبيب رضي الله عنه في قوله ‏{ ‏واقصد في مشيك‏ } ‏ قال‏:‏ يعني السرعة‏.‏
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله ‏ { ‏واقصد في مشيك‏ } ‏ يقول‏:‏ لا تختال‏:‏ ‏ { ‏واغضض من صوتك‏ } ‏ قال‏:‏ اخفض من صوتك عن الملأ ‏ { ‏إن أنكر الأصوات‏ } ‏ قال‏:‏ أقبح الأصوات ‏{ ‏لصوت الحمير‏ }‏.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله ‏{ ‏واقصد في مشيك‏ } ‏ قال‏:‏ نهاه عن الخيلاء ‏ { ‏واغضض من صوتك‏ } ‏ قال‏:‏ أمره بالاقتصاد في صوته ‏ { إن أنكر الأصوات‏ } ‏ قال‏:‏ أقبح الأصوات ‏ { ‏لصوت الحمير‏ } ‏ قال‏:‏ أوّله زفير وآخره شهيق‏.‏
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ‏{ ‏إن أنكر الأصوات لصوت الحمير‏ }‏ قال‏:‏ أنكرها على السمع‏.‏
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان الثوري رضي الله عنه قال‏:‏ صياح كل شيء تسبيحه إلا الحمار‏.‏
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه قال‏:‏ لو كان رفع الصوت خيراً ما جعله الله للحمير‏.