التفاسير

< >
عرض

وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ
٩
إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
١٠
-الحجرات

الدر المنثور في التفسير بالمأثور

أخرج أحمد والبخاري ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أنس قال‏:‏ قيل للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لو أتيت عبد الله بن أُبي، فانطلق وركب حماراً، وانطلق المسلمون يمشون وهي أرض سبخة، فلما انطلق إليهم قال‏:‏ إليك عني فوالله لقد آذاني ريح حمارك، فقال رجل من الأنصار‏:‏ والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحاً منك، فغضب لعبد الله رجال من قومه، فغضب لكل منهما أصحابه فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال، فأنزل فيهم { ‏وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما‏ }‏ ‏.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر عن أبي مالك قال‏:‏ تلاحى رجلان من المسلمين، فغضب قوم هذا لهذا وهذا لهذا فاقتتلوا بالأيدي والنعال فأنزل الله‏:‏ ‏ { ‏وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما‏ }‏ ‏.‏
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال‏:‏ إن الأوس والخزرج كان بينهما قتال بالسيف والنعال، فأنزل الله { ‏وإن طائفتان‏ }‏ الآية‏.
وأخرج ابن جرير عن الحسن قال‏:‏ كانت تكون الخصومة بين الحيين فيدعوهم إلى الحكم فيأبون أن يجيؤا، فأنزل الله ‏ { ‏وإن طائفتان‏ } ‏ الآية‏.‏
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال‏:‏ ذكر لنا أن هذه الآية نزلت في رجلين من الأنصار كانت بينهما مماراة في حق بينهما، فقال أحدهما للآخر‏:‏ لآخذن عنوة - لكثرة عشيرته - وإن الآخر دعاه ليحاكمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأبى، فلم يزل الأمر حتى تدافعوا، وحتى تناول بعضهم بعضاً بالأيدي والنعال، ولم يكن قتال بالسيوف‏.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال‏:‏ كان رجل من الأنصار يقال له عمران تحته امرأة يقال لها أم زيد، وأنها أرادت أن تزور أهلها فحبسها زوجها وجعلها في علية له لا يدخل عليها أحد من أهلها، وإن المرأة بعثت إلى أهلها فجاء قومها فأنزلوها لينطلقوا بها، وكان الرجل قد خرج فاستعان أهل الرجل، فجاء بنو عمه ليحولوا بين المرأة وبين أهلها، فتدافعوا واجتلدوا بالنعال، فنزلت فيهم هذه الآية ‏ { ‏وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا‏ }‏ فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصلح بينهم، وفاؤوا إلى أمر الله‏.
وأخرج الحاكم والبيهقي وصححه عن ابن عمر قال‏:‏ ما وجدت في نفسي من شيء ما وجدت من هذه الآية، إني لم أقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني الله‏.‏
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن حبان السلمي قال‏:‏ سألت ابن عمر عن قوله ‏{ ‏وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا‏ } ‏ وذلك حين دخل الحجاج الحرم فقال لي‏:‏ عرفت الباغية من المبغي عليها فوالذي نفسي بيده لو عرفت المبغية ما سبقتني أنت ولا غيرك إلى نصرها، أفرأيت إن كانت كلتاهما باغيتين فدع القوم يقتتلون على دنياهم، وارجع إلى أهلك، فإذا استمرت الجماعة فادخل فيها‏.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال‏:‏ إن الله أمر النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين إذا اقتتلت طائفة من المؤمنين أن يدعوهم إلى حكم الله، وينصف بعضهم من بعض، فإن أجابوا حكم فيهم بكتاب الله حتى ينصف المظلوم من الظالم، فمن أبى منهم أن يجيب فهو باغ، وحق على إمام المؤمنين والمؤمنين أن يقاتلوهم حتى يفيئوا إلى أمر الله ويقروا بحكم الله‏.‏
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه ‏ { ‏وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا‏ } ‏ قال‏:‏ الأوس والخزرج اقتتلوا بينهم بالعصي‏.‏
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد ‏ { ‏وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا‏ }‏ قال‏:‏ الطائفة من الواحد إلى الألف، وقال‏:‏ إنما كانا رجلين اقتتلا‏.‏
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس ‏{ ‏وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما‏ } ‏ قال‏:‏ كان قتالهم بالنعال والعصي فأمرهم أن يصلحوا بينهما‏.‏
أما قوله تعالى‏:‏ ‏{ ‏إن الله يحب المقسطين‏ }‏‏ .‏
أخرج ابن أبي شيبة ومسلم والنسائي وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عمر وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏
"‏المقسطون عند الله يوم القيامة على منابر من نور على يمين العرش الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا"
‏"‏‏.‏ وأخرج ابن أبي شيبة من وجه آخر عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ "إن المقسطين في الدنيا على منابر من لؤلؤ يوم القيامة بين يدي الرحمن بما أقسطوا في الدنيا"
‏"‏‏.‏ قوله تعالى‏:‏ ‏ { ‏إنما المؤمنون أخوة‏ } ‏ الآية‏.‏
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن سيرين رضي الله عنه أنه كان يقرأ ‏{ ‏إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم‏ } ‏ بالياء‏.‏
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم رضي الله عنه أنه قرأ ‏ { ‏فأصلحوا بين أخويكم‏ } ‏ بالياء‏.‏
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في سننه عن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ ما رأيت مثل ما رغبت عنه في هذه الآية ‏ { ‏وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما‏ } ‏ الآية‏.‏
وأخرج أحمد عن فهيد بن مطرف الغفاري رضي الله عنه
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله سائل إن عدا علي عادٍ فأمره أن ينهاه ثلاث مرات، قال‏:‏ فإن لم ينته فأمره بقتاله، قال‏:‏ فكيف بنا‏؟‏ قال‏:‏ إن قتلك فأنت في الجنة، وإن قتلته فهو في النار‏" .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك رضي الله عنه في قوله ‏ { ‏وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا‏ } ‏ إلى قوله ‏{ ‏فقاتلوا التي تبغي‏ }‏ قال‏:‏ بالسيف، قيل‏:‏ فما قتلاهم‏؟‏ قال‏:‏ شهداء مرزوقين، قيل‏:‏ فما حال الأخرى أهل البغي‏؟‏ قال‏:‏ من قتل منهم إلى النار‏.
وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏
"‏سيكون بعدي أمراء يقتتلون على الملك يقتل بعضهم بعضاً"
‏"‏‏.