التفاسير

< >
عرض

يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ ٱلأَدْبَارَ
١٥
وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ
١٦
-الأنفال

الدر المنثور في التفسير بالمأثور

أخرج البخاري في تاريخه والنسائي وابن أبي حاتم وابن مردويه عن نافع رضي الله عنه أنه سأل ابن عمر رضي الله عنهما قال‏:‏ إنا قوم لا نثبت عند قتال عدونا ولا ندري من الفئة أمامنا أو عسكرنا‏؟‏ فقال لي‏:‏ الفئة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقلت‏:‏ إن الله تعالى يقول ‏{ ‏إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار‏ }‏ قال‏:‏ إنما أنزلت هذه الآية في أهل بدر لا قبلها ولا بعدها.
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في قوله ‏{ ‏ومن يولهم يومئذ دبره‏ } ‏ قال‏:‏ إنها كانت لأهل بدر خاصة‏.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن أبي نضرة رضي الله عنه في قوله ‏ { ‏ومن يولهم يومئذ دبره‏ } ‏ الآية‏.‏ قال‏:‏ نزلت يوم بدر ولم يكن لهم أن ينحازوا، ولو انحازوا لم ينحازوا إلا للمشركين‏.
أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال‏:‏ لا تغرنكم هذه الآية فإنها كانت يوم بدر، وأنا فئة لكل مسلم‏.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال‏:‏ ذاكم يوم بدر لأنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال‏:‏ نزلت في أهل بدر خاصة، ما كان لهم أن يهزموا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتركوه‏.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه في قوله ‏ { ‏ومن يولهم يومئذ دبره‏ } ‏ قال‏:‏ إنما كانت يوم بدر خاصة، ليس الفرار من الزحف من الكبائر‏.
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن عكرمة رضي الله عنه في قوله ‏ { ‏ومن يولهم يومئذ دبره‏ } ‏ قال‏:‏ ذاك في يوم بدر‏.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة وابن جرير عن الضحاك رضي الله عنه قال‏:‏ إنما كان يوم بدر ولم يكن للمسلمين فئة ينحازون إليها‏.
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة رضي الله عنه ‏ { ‏ومن يولهم يومئذ دبره‏ } ‏ قال‏:‏ يرون أن ذلك في بدر، ألا ترى أنه يقول ‏ { ‏ومن يولهم يومئذ دبره‏ } ‏‏.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن يزيد بن أبي حبيب رضي الله عنه قال‏:‏ أوجب الله تعالى لمن فر يوم بدر النار‏.‏ قال‏:‏ ومن يولهم يومئذ دبره إلى قوله ‏{ ‏فقد باء بغضب من الله‏ } ‏ فلما كان يوم أحد بعد ذلك قال
{ { إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم } ‏ }‏ ‏[‏آل عمران: 155‏]‏ ثم كان يوم حنين بعد ذلك بسبع سنين فقال ‏{ { ‏ثم وليتم مدبرين‏ } }‏ ‏[‏التوبة : 25‏]‏‏.‏ ‏{ { ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء } ‏ } ‏[‏التوبة: 27‏]‏.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله ‏ { ‏ومن يولهم يومئذ دبره‏ } ‏ قال‏:‏ يعني يوم بدر خاصة منهزماً ‏{ ‏إلا متحرفاً لقتال‏ }‏ يعني مستطرداً يريد الكرة على المشركين ‏ { ‏أو متحيزاً إلى فئة‏ } ‏ يعني أو ينحاز إلى أصحابه من غير هزيمة ‏ { ‏فقد باء بغضب من الله‏ }‏ يقول‏:‏ استوجب سخطاً من الله ‏ { ‏ومأواه جهنم وبئس المصير‏ } ‏ فهذا يوم بدر خاصة، كأن الله شدد على المسلمين يومئذ ليقطع دابر الكافرين، وهو أول قتال قاتل فيه المشركين من أهل مكة‏.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه قال‏:‏ المتحرف‏:‏ المتقدم في أصحابه، إنه يرى غرة من العدو فيصيبها، والمتحيز‏:‏ الفار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكذلك من فر اليوم إلى أميره وأصحابه قال‏:‏ وإنما هذه وعيد من الله تعالى لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن لا يفروا، وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم ثبتهم‏.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن عطاء بن أبي رباح رضي الله عنه في قوله ‏ { ‏ومن يولهم يومئذ دبره‏ } ‏ قال‏:‏ هذه منسوخة بالآية التي في الأنفال
{ { الآن خفف الله عنكم‏ } }‏ ‏[‏الأنفال: 66‏]‏‏.
وأخرج ابن جرير والنحاس في ناسخه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ الفرار من الزحف من الكبائر لأن الله تعالى قال ‏{ ‏ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال‏ } ‏ الآية‏.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال‏:‏ الفرار من الزحف من الكبائر.
وأخرج سعيد بن منصور وابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبخاري في الأدب المفرد واللفظ له وأبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال‏:
"كنا في غزاة، فحاص الناس حيصه قلنا‏:‏ كيف نلقى النبي صلى الله عليه وسلم وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب‏؟‏‏!‏ فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم قبل صلاة الفجر، فخرج فقال من القوم‏.‏‏.‏‏.‏‏؟‏ فقلنا‏:‏ نحن الفرارون‏.‏ فقال‏: لا بل أنتم العكارون‏.‏ فقبلنا يده فقال‏:‏ أنا فئتكم وأنا فئة المسلمين، ثم قرأ ‏ { ‏إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة‏ }‏ ‏"
‏‏. وأخرج ابن مردويه عن أمامة رضي الله عنها مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت‏:‏ كنت أوضىء النبي صلى الله عليه وسلم أفرغ على يديه، إذ دخل عليه رجل فقال‏:‏ يا رسول الله أريد اللحوق بأهلي فأوصني بوصية أحفظها عنك‏.‏ قال ‏"‏ "لا تفر يوم الزحف، فإنه من فرَّ يوم الزحف فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير‏"
‏‏. وأخرج الشافعي وابن أبي شيبة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ من فر من اثنين فقد فر‏.
وأخرج الخطيب في المتفق والمفترق عن ابن عمر رضي الله عنهما قال‏:
"لما نزلت هذه الآية ‏ { ‏يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار‏.‏‏.‏‏.‏‏ }‏ الآية‏.‏ قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلوا كما قال الله"
‏‏‏. وأخرج أحمد عن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏أنه استعاذ من سبع موتات‏.‏ موت الفجأة، ومن لدغ الحية، ومن السبع، ومن الغرق، ومن الحرق، ومن أن يخر عليه شيء، ومن القتل عند فرار الزحف‏"‏‏.
وأخرج أحمد عن أبي اليسر رضي الله عنه
"‏أن رسول الله كان يدعو بهؤلاء الكلمات السبع يقول‏: اللهم إني أعوذ بك من الهرم، وأعوذ بك من الغم والغرق والحرق، وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت، وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبراً، وأعوذ بك أن أموت لديغا‏ً" .
وأخرج ابن سعد وأبو داود والترمذي والبيهقي في الأسماء والصفات عن بلال بن يسار عن زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيه عن جده ‏"‏ "أنه سمع رسول الله يقول‏: من قال‏:‏ أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر له وإن كان فر من الزحف"
‏"‏‏. وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله ‏"‏ "من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ثلاثاً غفرت ذنوبه وإن كان فر من الزحف‏"
‏. وأخرج ابن أبي شيبة عن معاذ بن جبل رضي الله عنه مثله موقوفاً، وله حكم الرفع‏.‏ والله تعالى أعلم‏.