التفاسير

< >
عرض

إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ بِٱلْقِسْطِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ
٤
-يونس

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ إِلَيْهِ } لا إلى أحد سواه استقلالاً أو اشتراكاً { مَرْجِعُكُمْ } أي بالبعث كما ينبىء عنه قوله تعالى: { جَمِيعاً } فإنه خالٍ من الضمير المجرورِ لكونه فاعلاً في المعنى أي إليه رجوعُكم مجتمعين والجملةُ كالتعليل لوجوب العبادة { وَعَدَ ٱللَّهِ } مصدرٌ مؤكدٌ لنفسه لأن قوله عز وجل: { إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ } وعد منه سبحانه بالبعث أو لفعل مقدر أي وعَدَ الله وعداً، وأياً ما كان فهو دليلٌ على أن المرادَ بالمرجِع هو الرجوعُ بالبعث لأن ما بالموت بمعزل من الوعد كما أنه بمعزل من الاجتماع وقرىء بصيغة الفعل { حَقّاً } مصدرٌ آخرُ مؤكدٌ لما دل عليه الأول { إِنَّهُ يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ } وقرىء يُبدِىء { ثُمَّ يُعِيدُهُ } وهو استئنافٌ عُلّل به وجوبُ المرجعِ إليه سبحانه وتعالى فإن غايةَ البدءِ والإعادةِ وهو جزاءُ المكلّفين بأعمالهم حسنةً أو سيئةً، وقرىء بالفتح أي لأنه، ويجوز كونُه منصوباً بما نصب وعدَ الله أي وعَد الله وعداً بدءَ الخلقِ الخلق ثم إعادتَه، ومرفوعاً بما نصب حقاً أي حق بدءُ الخلقِ الخ { ليجزى الذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ } أي بالعدل وهو حالٌ من فاعل يجزي أي ملتبساً بالعدل أو متعلق بـيجزي أي ليجزيَهم بقسطه ويوفيَهم أجورَهم، وإنما أُجمل ذلك إيذاناً بأنه لا يفي به الحصرُ أو بقسطهم وعدلِهم عند إيمانِهم ومباشرتِهم للأعمال الصالحة وهو الأنسبُ بقوله عز وجل: { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ } فإن معناه ويجزي الذين كفروا بسبب كفرِهم، وتكريرُ الإسناد بجعل الجملةِ الظرفية خبراً للموصول لتقوية الحكمِ والجمعُ بـين صيغتي الماضي والمستقبلِ للدلالة على مواظبتهم على الكفر، وتغيـيرُ النظمِ للإيذان بكمال استحقاقِهم للعقاب وأن التعذيبَ بمعزل عن الانتظام في سلك العلةِ الغائيّة للخلق بدءاً وإعادةً وإنما يحيقُ ذلك بالكفرة على موجَبِ سوءِ اختيارِهم، وأما المقصودُ الأصليُّ من ذلك فهو الإثابة.