التفاسير

< >
عرض

وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ ٱلنَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ
٤٥
وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ ٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ
٤٦
-يونس

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ } منصوبٌ بمضمر وقرىء بالنون على الالتفات أي اذكر لهم أو أنذِرْهم يوم يحشرهم { كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ } أي كأنهم لم يلبثوا { إِلاَّ سَاعَةً مّنَ ٱلنَّهَارِ } أي شيئاً قليلاً منه فإنها مثَلٌ في غاية القِلة، وتخصيصُها بالنهار لأن ساعاتِه أعرفُ حالاً من ساعاتِ الليلِ، والجملةُ في موقع الحال من ضمير المفعولِ أي يحشرهم مشبَّهين في أحوالهم الظاهرةِ للناس بمَنْ لم يلبَثْ في الدنيا ولم يتقلب في نعيمها إلا ذلك القدرَ اليسيرَ فإن مَنْ أقام بها دهراً وتمتع بمتاعها لا يخلو عن بعض آثارِ نعمةٍ وأحكامِ بهجةٍ منافيةٍ لما بهم من رثاثة الهيئةِ وسوء الحالِ، أو بمن لم يلبَث في البرزخ إلا ذلك المقدارَ ففائدة التقيـيدِ بـيانُ كمالِ يُسرِ الحشرِ بالنسبة إلى قدرته تعالى ولو بعد دهرٍ طويلٍ وإظهارِ بطلانِ استبعادِهم وانكارِهم بقولهم: أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعوثون؟ ونحوِ ذلك، أو بـيانُ تمامِ الموافقةِ بـين النشأتين في الأشكال والصورِ فإن قلةَ اللُّبثِ في البرزخ من موجبات عدمِ التبدلِ والتغيرِ فيكون قوله عز وعلا: { يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ } بـياناً وتقريراً له لأن التعارفَ مع طول العهدِ ينقلب تناكراً، وعلى الأول يكون استئنافاً أي يعرِف بعضُهم بعضاً كأنهم لم يتفارقوا إلا قليلاً، وذلك أولَ ما خرجوا من القبور، إذ هم حينئذٍ على ما كانوا عليه من الهيئة المتعارَفةِ فيما بـينهم ثم ينقطع التعارفُ بشدة الأهوالِ المذهلة واعتراءِ الأحوالِ المُعضلة المغيِّرةِ للصور والأشكالِ المبدّلة لها من حال إلى حال { قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء ٱللَّهِ } شهادةٌ من الله سبحانه وتعالى على خُسرانهم وتعجبٌ منه، وقيل: حالٌ من ضمير يتعارفون على إرادة القولِ، والتعبـيرُ عنهم بالموصول مع كون المقامِ مقامَ إضمارٍ لذمهم بما في حيز الصلةِ، والإشعارُ بعليته لما أصابهم، والمرادُ بلقاء الله إن كان مطلقَ الحسابِ والجزاءِ أو حسنَ اللقاءِ فالمراد بالخسران الوضيعةُ، والمعنى وضَعوا في تجاراتهم ومعاملاتهم واشترائِهم الكفرَ بالإيمان والضلالةَ بالهدى ومعنى قوله تعالى: { وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } ما كانوا عارفين بأحوال التجارةِ مهتدين لطرقها وإن كان سوءَ اللقاءِ فالخَسارُ الهلاك والضلالُ أي قد ضلوا وهلكوا بتكذيبهم وما كانوا مهتدين إلى طريق النجاة.

{ وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ } أصله إن نُرِكَ وما مزيدةٌ لتأكيد معنى الشرطِ ومِنْ ثَمةَ أُكد الفعلُ بالنون أي بنُصرتك بأن نُظهرَ لك { بَعْضَ ٱلَّذِى نَعِدُهُمْ } أي وعدناهم من العذاب ونعجِّلَه في حياتك فتراه، والعدولُ إلى صيغة الاستقبالِ لاستحضار الصورةِ أو للدلالة على التجدد والاستمرارِ أي نعِدُهم وعداً متجدداً حسبما تقتضيه الحكمةُ من إنذارٍ غِبَّ إنذار، وفي تخصيص البعضِ بالذكر رمزٌ إلى العِدَة بإراءةِ بعضِ الموعودِ، وقد أراه يومَ بدر { أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ } قبل ذلك { فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ } أي كيفما دارت الحالُ أريناك بعضَ ما وعدناهم أو لا فإلينا مرجعُهم في الدنيا والآخرةِ فننجزُ ما وعدناهم البتةَ، وقيل: المذكورُ جوابٌ للشرط الثاني كأنه قيل: فإلينا مرجعُهم فنريكَه في الآخرة وجوابُ الأول محذوفٌ لظهوره أي فذاك { ثُمَّ ٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ } من الأفعال السيئةِ التي حُكيت عنهم، والمرادُ بالشهادة إما مقتضاها ونتيجتُها وهي معاقبتُه تعالى إياهم وإما إقامتُها وأداؤُها بإنطاق الجوارحِ، وإظهارُ اسمِ الجلالةِ لإدخال الروعةِ وتربـيةِ المهابةِ وتأكيدِ التهديد، وقرىء ثَمّةَ أي هناك.