التفاسير

< >
عرض

وَيُحِقُّ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُجْرِمُونَ
٨٢
فَمَآ آمَنَ لِمُوسَىٰ إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ ٱلْمُسْرِفِينَ
٨٣
-يونس

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَيُحِقُّ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ } عطفٌ على قوله: سيبطله أي يثبته ويقوّيه، وإظهارُ الاسم الجليلِ في المقامين الأخيرين لإلقاء الروعةِ وتربـيةِ المهابةِ { بِكَلِمَـٰتِهِ } بأوامره وقضاياه وقرىء بكلمته { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُجْرِمُونَ } ذلك والمرادُ بهم كلُّ من اتصف بالإجرام من السحَرة وغيرِهم.

{ فَمَا ءامَنَ لِمُوسَىٰ } معطوفٌ على مقدر قد فصل في مواقعَ أُخَرَ، أي فألقى عصاه فإذا هي تلقَف ما يأفِكون الخ، وإنما لم يذكر تعويلاً على ذلك وإيثاراً للإيجاز وإيذاناً بأن قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ سَيُبْطِلُهُ } مما لا يحتمل الخُلفَ أصلاً وعطفُه على ذلك بالفاء مع كونه عدماً مستمراً من قبـيل ما في قوله عز وجل: { فَٱتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ } [هود: 97] وما في قولك: وعظتُه فلم يتعظ وصِحتُ به فلم ينزجِرْ والسرُّ في ذلك أن الإتيانَ بالشيء بعد ورودِ ما يوجب الإقلاعَ عنه وإن كان استمراراً عليه لكنه بحسب العنوانِ فعلٌ جديدٌ وصنعٌ حادثٌ أي فما آمن له عليه السلام بمشاهدة تلك الآياتِ القاهرة { إِلاَّ ذُرّيَّةٌ مّن قَوْمِهِ } أي إلا أولادٌ من أولاد قومِه بني إسرائيلَ حيث دعا الآباءَ فلم يجيبوه خوفاً من فرعون وأجابتْه طائفةٌ من شبانهم، وقيل: الضميرُ لفرعون والذريةُ طائفةٌ من شبانهم آمنوا به عليه السلام أو مؤمنُ آلِ فرعونَ وامرأتُه آسيةُ وخازنُه وامرأتُه وما شطتُه وهو بعيد { عَلَىٰ خَوْفٍ } أي كائنين على خوف عظيم { مِن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِم } الضميرُ لفرعون والجمعُ لما هو المعتادُ في ضمائر العظماءِ ولا يأباه مقامُ بـيانِ علوِّه في الفساد وغلوِّه في الشر والتسلطِ على العباد، أو لأن المرادَ به آلُه كما يقال: ربـيعةُ ومضرُ أو للذرية أو للقوم أي على خوف من فرعونَ ومن أشراف بني إسرائيلَ حيث كانوا يمنعون أعقابَهم خوفاً من فرعونَ عليهم وعلى أنفسهم { أَن يَفْتِنَهُمْ } أي يعذّبَهم وهو بدلُ اشتمالٍ أو مفعولُ خوفٍ فإن إعمالَ المصدرِ المنكّر كثيرٌ كما في قوله عز وجل: { { أَوْ إِطْعَامٌ فِى يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ يَتِيماً } [البلد: 14 - 15] أو مفعولٌ له بعد حذفِ اللامِ، وإسنادُ الفعلِ إلى فرعون خاصةً لأنه الآمرُ بالتعذيب { وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي ٱلأَرْضِ } لغالبٌ في أرض مصرَ { وَإِنَّهُ لَمِنَ ٱلْمُسْرِفِينَ } في الظلم والفسادِ بالقتلِ وسفكِ الدماءِ أو في الكبر والعتوِّ حتى ادّعى الربوبـيةَ واسترقَّ أسباطَ الأنبـياءِ، والجملتانِ اعتراضٌ تذيـيليٌّ مؤكدٌ لمضمون ما سبق.