التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ
٦
وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَلِكَ لَشَهِيدٌ
٧
وَإِنَّهُ لِحُبِّ ٱلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ
٨
أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي ٱلْقُبُورِ
٩
وَحُصِّلَ مَا فِي ٱلصُّدُورِ
١٠
إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ
١١
-العاديات

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

وقولُه تعالَى: { إِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ لِرَبّهِ لَكَنُودٌ } أَيْ لكفورٌ مِنْ كندَ النعمةَ كنوداً جوابُ القسمِ والمرادُ بالإنسانِ بعضُ أفرادِه. رُوِيَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بعثَ إلى أناسٍ منْ بنِي كنانةَ سريةً واستعملَ عليَها المنذرَ بنَ عمروٍ الأنصاريَّ وكانَ أحدَ النقباءِ فأبطأ عليهِ الصلاةُ والسلامُ خبرُهَا شهراً فقالَ المنافقونَ إنُهم قُتلوا فنزلتْ السورةُ إخباراً للنبـيِّ عليهِ عليه الصلاةُ والسلامُ بسلامتِها وبشارةً لهُ بإغارتِها على القومِ ونعياً على المُرجفينَ في حقِّهم مَا هُم فيهِ من الكنودِ وفي تخصيصِ خيلِ الغُزاةِ بالإقسامِ بَها منَ البراعةِ ما لا مزيدَ عليهِ كأنه قيلَ: وخيلِ الغُزاةِ التي فعلتْ كيتَ وكيتَ وقد أرجفَ هؤلاءِ في حقِّ أربابِها ما أرجفُوا أنهم مبالغونَ في الكفرانِ { وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَلِكَ } أيْ وإنَّ الإنسانَ على كنودِه { لَشَهِيدٌ } يشهدُ عَلى نفسِه بالكنودِ لظهورِ أثرِه عليهِ { وَإِنَّهُ لِحُبّ ٱلْخَيْرِ } أي المالِ كمَا في قولِه تعالَى إنْ تركَ خيراً { لَشَدِيدٌ } أيْ قويٌ مطيقٌ مجدٌّ في طلبِه وتحصيلِه متهالكٌ عليهِ يقالُ هُوَ شديدٌ لهذا الأمرِ وقويٌّ لَهُ إذا كانَ مطيقاً لَهُ ضَابطاً وقيلَ: الشديدُ البخيلُ أيْ إنَّه لأجلِ حُبِّ المالِ وثقلِ إنفاقِه عليهِ لبخيلٌ ممسكٌ ولعَلَّ وصفَهُ بهذا الوصفِ القبـيحِ بعدَ وصفِه بالكنودِ للإيماءِ إلى أنَّ من جملةِ الأمورِ الداعيةِ للمنافقينَ إلى النفاقِ حبَّ المالِ لأنَّهم بما يظهرونَ من الإيمانِ يعصمونَ أموالَهُم ويحوزونَ من الغنائمِ نصيباً وقولُه تعالَى: { أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِى ٱلْقُبُورِ } الخ تهديدٌ ووعيدٌ والهمزةُ للإنكارِ والفاءُ للعطفِ على مقدرٍ يقتضيهِ المقامُ أي أيفعلُ ما يفعلُ من القبائحِ أو أَلا يلاحظُ فلا يعلمُ حالَهُ إذا بعثَ منْ فِي القبورِ من المَوْتى وإيرادُ ما لكونِهم إذْ ذاكَ بمعزلَ عنْ رتبةِ العقلاءِ وقُرِىءَ بُحْثرَ وبُحِثَ وبَحْثَر وبَحَثَ على بنائهِما للفاعلِ { وَحُصّلَ } أَيْ جمعَ محصلاً أوْ ميز خيرُه من شرِّهِ وقرىء وحَصَّلَ مبنياً للفاعلِ وحَصَلَ مخففاً { مَا فِى ٱلصُّدُورِ } منَ الأسرارِ الخفيةِ التي منْ جُملتِها ما يخفيه المنافقونَ من الكفرِ والمعاصِي فضلاً عن الأعمالِ الجليةِ { إِنَّ رَبَّهُم } أي المبعوثينَ كَنَّى عنْهُم بعدَ الإحياءِ الثاني بضميرِ العُقلاءِ بعدَ مَا عبرَ عنهُمْ قبلَ ذلكَ بَما بناءً على تفاوتِهم في الحالينِ كما فعلَ نظيرَهُ بعد الإحياءِ الأولِ حيثُ التفتَ إلى الخطابِ في قولِه تعالَى: { { وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَـٰرَ } [سورة النحل، الآية 78] الآيةَ بعدَ قولِه: { { ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ } [سورة السجدة، الآية 9] إيذاناً بصلاحيتِهم للخطابِ بعد نفخِ الروحِ وبعدمِها قبلَه كما أُشيرَ إليهِ هناكَ { بِهِمُ } بذواتِهم وصفاتِهم وأحوالِهم بتفاصيلِها { يَوْمَئِذٍ } يومَ إذْ يكونُ ما ذكرَ من بعثِ ما في القبورِ وتحصيلِ مَا فِي الصدورِ { لَّخَبِيرٌ } أيْ عالمٌ بظواهرِ ما عملُوا وبواطنِه علماً موجباً للجزاءِ متصلاً بهِ كما ينبىءُ عنْهُ تقيـيدُه بذلكَ اليومِ وإلاَّ فمطلقُ علمِه سبحانَهُ محيطٌ بَما كانَ وما سيكونُ وقولُه تعالَى بِهم ويومئذَ متعلقانِ بخبيرٍ قدمَا عليه لمراعاة الفواصلِ واللامُ غيرُ مانعةٍ من ذلكَ وقرأ ابنُ السَّماكِ إنَّ ربَّهم بهمْ يومئذٍ خبـيرٌ.

عنِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: " "مَنْ قرأَ سورةَ والعادياتِ أُعْطِيَ منَ الأجرِ عشرَ حسناتٍ بعددِ منْ باتَ بمزدلفةَ وشهدَ جَمْعاً" .