التفاسير

< >
عرض

ٱلْقَارِعَةُ
١
مَا ٱلْقَارِعَةُ
٢
وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْقَارِعَةُ
٣
يَوْمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلْفَرَاشِ ٱلْمَبْثُوثِ
٤
-القارعة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

مكية وآيُها إحدى عشرة

{ ٱلْقَارِعَةُ } القرعُ هو الضربُ بشدةٍ واعتمادٍ بحيثُ يحصلُ منهُ صوتٌ شديدٌ وَهيَ القيامةُ التي مبدؤُهَا النفخةُ الأُولى ومُنتهاهَا فصلُ القضاءِ بـينَ الخلائقِ كما مرَّ في سورةِ التكويرِ سميتْ بَها لأنَّها تقرعُ القلوبَ والأسماعَ بفنونِ الأفزاعِ والأهوالِ وتُخْرِجُ جميعَ الأجرامِ العلويةِ والسفليةِ منْ حالٍ إلى حالٍ السماءَ بالانشقاقِ والانفطارِ والشمسَ والنجومَ بالتكويرِ والانكدارِ والانتشارِ والأرضَ بالزلزالِ والتبديلِ والجبالَ بالدكِّ والنسفِ وهيَ مبتدأٌ خبرُهُ قولُه تعالَى: { مَا ٱلْقَارِعَةُ } على أنَّ مَا الاستفهاميةَ خبرُ القارعةِ مبتدأٌ لا بالعكسِ لَما مرَّ غيرَ مرةٍ أنَّ محطَّ الفائدةِ هُوَ الخبرُ لا المبتدأُ ولا ريبَ في أنَّ مدارَ إفادةِ الهولِ والفخامةِ هُهَنا هُو كلمةُ مَا لاَ القارعةِ أَيْ أَيُّ شيءٍ عجيبٍ هيَ في الفخامةِ والفظاعةِ وقد وضعَ الظاهرَ موضعَ الضميرِ تأكيداً للتهويل وقوله تعالى: { وَمَا أَدْرَاكَ مَا ٱلْقَارِعَةُ } تأكيد لهولِها وفظاعتِها ببـيانِ خروجِها عنْ دائرةِ علومِ الخلقِ على مَعْنى أنَّ عِظمَ شَأْنِها ومَدَى شِدَّتِها بحيثُ لا تكادُ تنالُه درايةُ أحدٍ حَتَّى يدريكَ بَها وَمَا فِى حيزِ الرفعِ على الابتداءِ وأدراكَ هو الخبرُ وَلا سبـيل إلى العكسِ ههنا ومَا القارعةُ جملةٌ كما مَرَّ محلّها النصبُ على نزعِ الخافضِ لأنَّ أَدْرى يتعدَّى إلى المفعولِ الثانِي بالباءِ كما في قولِه تعالَى: { { وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ } [سورة يونس، الآية 16] فلما وقعتْ الجملةُ الاستفهاميةُ معلقةً لهُ كانتْ فِي مَوْقعِ المفعولِ الثانِي له والجملةُ الكبـيرةُ معطوفةٌ على ما قبلَها من الجملةِ الواقعةِ خبراً للمبتدأِ الأولِ أيْ وأيُّ شيءٍ أعلمكَ مَا شأنُ القارعةِ ولما كانَ هذَا منبئاً عن الوعدِ الكريمِ بإعلامِها أنجزَ ذلكَ بقولِه تعالَى:

{ يَوْمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلْفَرَاشِ ٱلْمَبْثُوثِ } عَلى أنَّ يومَ مرفوعٌ عَلَى أَنَّهُ خبرُ مبتدأٍ محذوفِ وحركتُه الفتحُ لإضافتِه إلى الفعلِ وإنْ كانَ مضارعاً كَما هُو رأيُ الكوفيـينَ أيْ هيَ يومٌ يكونُ الناسُ فيهِ كالفراشِ المبثوثِ في الكثرةِ والانتشارِ والضعفِ والذلةِ والاضطرابِ والتطايرِ إلى الداعِي كتطايرِ الفَراشِ إلى النارِ أو منصوبٌ بإضمارِ اذكُرْ كأنَّه قيلَ بعدَ تفخيمِ أمرِ القارعةِ وتشويقِه عليه الصلاةُ والسلامُ إلى معرفتِها اذكُرْ يومَ يكونُ الناسِ الخ فإنَّه يدريكَ ما هيَ هَذا وقد قيلَ: إنه ظرفٌ ناصبُه مضمرٌ يدلُّ عليهِ القارعةُ أيْ تقرعُ يومَ يكونُ الناس الخ وقيلَ: تقديرُه ستأتيكُم القارعةُ يومَ يكونُ الخ.