التفاسير

< >
عرض

ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ
١
ٱلَّذِى جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ
٢
يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ
٣
كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ فِي ٱلْحُطَمَةِ
٤
-الهمزة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

مكية وآيُها تسع

{ وَيْلٌ } مبتدأٌ خبرُهُ { لّكُلّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } وساغَ الابتداءُ بِه معَ كونِه نكرةً لأنهُ دعاءٌ عليهم بالهلكةِ أو بشدةِ الشرِّ والهَمْزُ الكسرُ كالهزمِ واللمزِ الطعنُ كاللهزِ شَاعا في الكسرِ مِنْ أعراضِ النَّاسِ والطعن فيهمْ وبناء فُعَلةٍ للدلالةِ عَلى أنَّ ذلكَ منْهُ عَادةٌ مُستمرةٌ قَد ضَرَى بَها وكذلكَ اللُّعَنةُ والضُّحَكَةُ وقُرِىءَ لكُلِّ هُمْزةٍ لُمْزةٍ بسكونِ الميمِ وهُوَ المسخرةُ الذي يأتي بالأضاحيكِ فيضحكُ منْهُ ويُستهزأُ بهِ وقيلَ: نزلتْ في الأخنسِ بْنِ شُرَيقٍ فإنَّهُ كانَ ضارياً بالغِيْبةِ والوقيعةِ، وقيلَ: في أميةَ بنِ خَلَفٍ، وقيلَ: في الوليدِ بْنِ المغيرةِ واغتيابِه لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم وغضه مِنْ جنابِه الرفيعِ واختصاصُ السببِ لا يستْدِعي خصوصَ الوعيدِ بهمِ بلْ كلُّ منْ اتصفَ بوصفهِم القبـيحْ فلَهُ ذنوبٌ منْهُ مثلُ ذنوبِهم { ٱلَّذِى جَمَعَ مَالاً } بدلٌ منْ كُلِّ أوْ منصوبٌ أو مرفوعٌ على الذمِّ وَقُرِىءَ جَمَّعَ بالتشديدِ التكثيرُ وتنكيرُ مالاً للتفخيمِ والتكثيرِ الموافقُ لقولِه تعالَى: { وَعَدَّدَهُ } وقيلَ: مَعْنى عَدَّدَهُ جعلَهُ عدةً لنوائبِ الدَّهرِ وَقُرِىءَ وَعَدَدَهُ أيْ جمعَ المالَ وضبطَ عَدَدَهُ أوْ جمعَ مالَهُ وعددَهُ الذينَ ينصرونَهُ منْ قولِك فلانٌ ذُو عُددٍ وَعَددٍ إذَا كانَ لَهُ عددٌ وافرٌ منَ الأنصارِ والأعوانِ وقيلَ هُو فعلٌ ماضٍ بفكِّ الإدغامِ { يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ } أيْ يعملُ عملَ منْ يظنُّ أنَّ مالَهُ يبقيهِ حياً والإظهارُ في موقعِ الإضمارِ لزيادةِ التقريرِ وقيلَ طَوَّلَ المالُ أَمَلَه وَمَنَّاهُ الأَمَانيِّ البعيدةَ حَتَّى أصبحَ لفرطِ غفلتِه وطولِ أملِه يحسبُ أنَّ المالَ تركَهُ خَالداً في الدُّنيا لا يموتُ وقيلَ هُو تَعريضٌ بالعملِ الصالحِ والزهدِ في الدُّنيا وأنَّه هُوَ الذي أخلدَ صاحبَهُ في الحياةِ الأبديةِ والنعيمِ المقيمِ فأمَّا المالُ فليسَ بخالدٍ لا بمُخَلِّدٍ. ورُوِيَ أنَّ الأخنسَ كانَ لهُ أربعةُ آلافِ دينارٍ وقيلَ: عشرةُ آلافٍ والجملةُ مستأنفةٌ أو حالٌ منْ فاعلِ جَمَع { كَلاَّ } ردعٌ لهُ عنْ ذلكَ الحْسبانِ الباطلِ وَقولُه تعالَى: { لَيُنبَذَنَّ } جوابُ قسمٍ مقدرٍ وَالجملةُ استئنافٌ مبـينٌ لعلةِ الردعِ أيْ والله ليطرحنَّ بسببِ تعاطيِه للأفعالِ المذكورةِ { فِى ٱلْحُطَمَةِ } أيْ في النارِ التي شأنُها أنْ تحطمَ وتكسرَ كُلَّ مَا يُلْقَى فيهَا كَما أنَّ شأنَهُ كسرُ أعراضِ النَّاسِ وجمعُ المالِ.