التفاسير

< >
عرض

إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ
١
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ
٢
إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ
٣
-الكوثر

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

مكية وآيُها ثلاث

{ إِنَّا أَعْطَيْنَـٰكَ } وقُرِىءَ أَنْطَينَاكَ { ٱلْكَوْثَرَ } أيِ الخيرُ المفرطُ الكثيرُ من شرفِ النبوةِ الجامعةِ لخيريِّ الدارينِ والرياسةِ العامةِ المستتبعةِ لسعادةِ الدُّنيا والدين، فوعلٌ منَ الكثرةِ وقيلَ: هُوَ نهرٌ في الجنةِ وعنِ النبـيِّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ أنه قرأهَا فقالَ: "أتدرونَ ما الكوثَرُ؟ إنَّه نهرٌ في الجنةِ وَعَدنيهِ ربِّـي فيهِ خيرٌ كثيرٌ" ورُويَ في صفتِهِ أنَّه أَحْلَى من العسلِ وأشدُّ بـياضاً من اللبنِ وأبردُ من الثلجِ وألينُ من الزبدِ حافتاهُ الزبرجدُ وأوانيهِ من فضةٍ عددَ نجومِ السماءِ. ورُوي لا يظمأُ من شربَ منْهُ أبداً أولُ وارديهِ فقراءُ المهاجرينَ الدَّنِسُو الثيابِ الشُّعْثُ الرؤوسِ الذينَ لا يزوجونَ المنعمّاتِ ولا تفتحُ لهم أبوابُ السُّدَدِ يموتُ أحدُهم وحاجتُهُ تتلجلجُ في صدرِه لو أقسمَ على الله لأبرَّهُ. وعنِ ابنِ عباسٍ رضيَ الله عنهُما أنه فسرَ الكوثرَ بالخيرِ الكثيرِ فقالَ لَه سعيدُ بنُ جُبـيرٍ: فإنَّ ناساً يقولونَ: هُوَ نهرٌ في الجنةِ فقالَ: هُو منَ الخيرِ الكثيرِ وقيلَ: هو حوضٌ فيهَا وقيلَ: هو أولادُه وأتباعُه أو علماءُ أمتِه أو القرآنُ الحاوِي لخيرِ الدُّنيا والدينِ. والفاءُ في قولِه تعَالَى: { فَصَلّ لِرَبّكَ } لترتيبِ ما بعدَهَا على ما قبلَها فإنَّ إعطاءَهُ تعالَى إيَّاهُ عليهِ السلامُ ما ذكرَ من العطيةِ التي لم يُعطِهَا ولنْ يعطيهَا أحداً منَ العالمينَ مستوجبٌ للمأمورِ بهِ أيَّ استيجابٍ أي فدُمْ على الصلاةِ لربكَ الذي أفاضَ عليكَ هذه النعمةَ الجليلةَ التي لاَ يضاهيهَا نعمةٌ خالصةً لوجهِه خلافَ الساهينَ عنهَا المرائينَ فيهَا أداءً لحقوقِ شكرِهَا فإنَّ الصلاةَ جامعةٌ لجميعِ أقسامِ الشكرِ { وَٱنْحَرْ } البدنَ التي هيَ خيارُ أموالِ العربِ باسمِه تعالَى وتصدقْ على المحاويجِ خلافاً لمن يدعهُمْ ويمنعُ عنهُم الماعونَ. وعن عطيةَ: هيَ صلاةُ الفجرِ بجمعٍ والنحُرُ بمنًى وقيلَ: صلاةُ العيدِ والتضحيةُ وقيلَ: هيَ جنسُ الصلاةِ والنحرُ وضعُ اليمينِ على الشمالِ وقيلَ: هُوَ أنْ يرفعَ يديهِ في التكبـيرِ إلى نحرِه هُوَ المرويُّ عنِ النبـيِّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ. وعنِ ابنِ عباسٍ رضيَ الله عنهمَا: استقبلِ القبلةَ بنحركَ وهُو قولُ الفَرَّاءِ والكَلْبـي وأبـي الأَحْوَص { إِنَّ شَانِئَكَ } أيْ مبغضكَ كائناً منْ كانَ { هُوَ ٱلأَبْتَرُ } الذي لاَ عقِبَ لَهُ حيثُ لا يبقَى منهُ نسلٌ ولا حُسنُ ذكرٍ، وأمَّا أنتَ فتبقَى ذريتُكَ وحسنُ صيتكَ وآثارُ فضلكَ إلى يومِ القيامةِ ولكَ في الآخرةِ ما لا يندرجُ تحتَ البـيانِ وقيلَ: نزلتْ في العاصِ بنِ وائلٍ وأياً ما كانَ فلا ريبَ في عمومِ الحكمِ.

عنِ النبـيِّ صلى الله عليه وسلم: " "مَنْ قرأَ سورةَ الكوثرِ سقاهُ الله تعالَى مِنْ كُلِّ نهرٍ في الجنةِ ويكتبُ لهُ عشرُ حسناتٍ بعددِ كُلِّ قُربانٍ قربَهُ العبادُ في يومِ النحرِ" .