التفاسير

< >
عرض

قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ
١
لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ
٢
وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ
٣
وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ
٤
وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ
٥
لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ
٦
-الكافرون

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

مكية وآيُها ست

{ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَـٰفِرُونَ } هم كفرةٌ مخصوصونَ قدْ علمَ الله تعالَى أنَّه لا يتأتَّى منهمْ الإيمانُ أبداً. رُوِيَ أنَّ رهطاً مِنْ عُتاةِ قريشٍ قالُوا لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم: هلمَّ فاتبعْ دينَنَا ونتبعُ دينَكَ تعبدُ آلهتَنَا سنةً ونعبدُ إلٰهَكَ سنةً، فقالَ: "معاذَ الله أنْ أشركَ بالله غيرَهُ" ، فقالُوا: فاستلمْ بعضَ آلهتِنَا نصدقكَ ونعبدَ إلٰهَكَ فنزلتْ، فغدَا إلى المسجدِ الحرامِ وفيهِ الملأُ من قريشٍ فقامَ على رؤوسِهم فقرأَهَا عليهم فأيِسوا { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } أيْ فيمَا يُستقبلُ لأَنَّ «لاَ» لاَ تدخلُ غالباً إلاَّ على مُضَارعٍ في مَعْنى الاستقبالِ كما أنَّ مَا لاَ تدخلُ إلاَّ على مضارعٍ في مَعْنى الحالِ والمَعْنى لا أفعلُ في المستقبلِ ما تطلبونَهُ مِنِّي من عبادةِ آلهتكم { وَلاَ أَنتُمْ عَـٰبِدُونَ مَا أَعْبُدُ } أيْ ولا أنتُم فاعلونَ فيهِ ما أطلبُ منكُم من عبادةِ إلٰهِي { وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ } أيْ وما كنتُ قطُّ عابداً فيمَا سلفَ ما عبدتُم فيه أيْ لم يُعْهدْ مِنِّي عبادةُ صنمٍ في الجاهليةِ فكيفَ تُرْجَى مِنِّي في الإسلامِ { وَلاَ أَنتُمْ عَـٰبِدُونَ مَا أَعْبُدُ } أيْ وما عبدتُم في وقتٍ مِنَ الأوقاتِ مَا أنا على عبادتِهِ وقيلَ: هاتانِ الجملتانِ لنفي العبادةِ حالاً كما أنَّ الأولين لنفيها استقبالاً وإنَّما لم يقُلْ ما عبدتُ ليوافقَ ما عبدتُم لأنَّهم كانُوا موسومينَ قبلَ البعثةِ بعبادةِ الأصنامِ، وهُوَ عليهِ السلامُ لم يكُنْ حينئذٍ موسوماً بعبادةِ الله تعَالَى وإيثارُ مَا في أعبدُ على مَنْ لأنَّ المرادَ هُوَ الوصفُ كأنَّه قيلَ: مَا أعبدُ مِنَ المعبودِ العظيمِ الشأنِ الذي لا يُقادَرُ قدرُ عظمتِهِ وقيلَ: إنَّ مَا مصدريةٌ أيْ لا أعبدُه عبادتَكُم ولا تعبدونَ عبادَتِي وقيلَ: الأوليانِ بمَعْنى الذي والأخريانِ مصدريتانِ وقيلَ: قولُه تعالَى: { وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ } تأكيدٌ لقولِه تعَالَى: { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } وقولُه تعالَى: { وَلاَ أَنتُمْ عَـٰبِدُونَ مَا أَعْبُدُ } ثانياً تأكيدٌ لمثلِه المذكورِ أولاً وقولُه تعالَى: { لَكُمْ دِينَكُمْ } تقريرٌ لقولِه تعَالَى: { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } وقولِه تعالَى: { وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ } كمَا أنَّ قولَه تعالَى: { وَلِىَ دِينِ } تقريرٌ لقولِه تعالَى: { وَلاَ أَنتُمْ عَـٰبِدُونَ مَا أَعْبُدُ } والمَعْنى أنَّ دينَكُم الذي هُوَ الإشراكُ مقصورٌ على الحصولِ لكُم لا يتجاوزُهُ إلى الحصولِ لِي أيضاً كما تطمعونَ فيهِ فلاَ تعلقُوا بهِ أمانيَّكُم الفارغةَ فإنَّ ذلكَ مِنَ المُحالاتِ وأنَّ دينيَ الذي هُوَ التوحيدُ مقصورٌ على الحصولِ لي لا يتجاوزُه إلى الحصولِ لكُم أيضاً لأنَّكم علقتمُوه بالمحالِ الذي هُوَ عبادتِي لآلهتِكم أو استلامِي إيَّاها ولأنَّ ما وعدتمُوه عينُ الإشراكِ، وحيثُ كانَ مَبْنى قولِهم: تعبدُ آلهتَنَا سنةً ونعبدُ إلٰهَكَ سنةً على شركةِ الفريقينِ في كلتا العبادتينِ كان القصرُ المستفادُ من تقديمِ المسندِ قصرُ إفرادٍ حتماً ويجوزُ أن يكونَ هذا تقريراً لقولِه تعالَى: { وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ } أيْ ولِي دِيني لا دينُكم كمَا هُوَ في قولِه تعَالَى: { { وَلَكُم مَّا كَسَبْتُم } [سورة البقرة الآية 134 و141] وقيلَ: المَعْنى إنِّي نبـيٌّ مبعوثٌ إليكُم لأدعوَكُم إلى الحقِّ والنجاةِ فإذَا لم تقبلُوا مِنِّي ولَمْ تتبعونِي فدعونِي كَفافاً ولا تدعونِي إلى الشركِ فتأملْ.

عن النبـيِّ صلى الله عليه وسلم: " "مَنْ قرأَ سورةَ الكافرونَ فكأنَّما قرأَ ربعَ القرآنِ وتباعدتْ عنْهُ مردةُ الشياطينِ وبرىءَ مِنَ الشركِ وتعافَى مِنَ الفزعِ الأكبرِ" .