التفاسير

< >
عرض

وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّئَاتُ عَنِّيۤ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ
١٠
إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ
١١
-هود

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ } كصِحّة بعد سَقَم وجِدَةٍ بعد عدمٍ وفرجٍ بعد شدة، وفي التعبـير عن ملابسة الرحمةِ والنعماءِ بالذوق المُؤْذِنِ بلذتهما وكونِهما مما يُرْغب فيه، وعن ملابسة الضراءِ بالمسِّ المُشْعِرِ بكونها في أدنى ما ينطلق عليه اسمُ الملاقاة من مراتبها، وإسنادُ الأولِ إلى الله عز وجل دون الثاني، ما لا يخفى من الجزالة والدِلالةِ على أن مرادَه تعالى إنما هو إيصالُ الخير المرغوبِ فيه على أحسن ما يكون، وأنه إنما يريد بعباده اليُسرَ دون العسرِ وإنما ينالهم ذلك بسوء اختيارِهم نيلاً يسيراً كأنما يلاصقُ البشرَةَ من غير تأثيرٍ، وأما نزعُ الرحمةِ فإنما صدَر عنه بقضية الحِكمةِ الداعية إلى ذلك وهي كفرانُهم بها كما سبق، وتنكيرُ الرحمة باعتبار لحُوقِ النزْعِ بها { لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيّئَاتُ عَنّي } أي المصائبُ التي تسوءني ولن يعترِيَني بعدُ أمثالُها كما هو شأنُ أولئك الأشرارِ، فإن الترقّبَ لورود أمثالِها مما يكدّر السرورَ وينغّص العيش { إِنَّهُ لَفَرِحٌ } بطِرٌ وأشِرٌ بالنعم مغترٌّ بها { فَخُورٌ } على الناس بما أوتيَ من النعم مشغولٌ بذلك عن القيام بحقها، واللامُ في لئن في الآيات الأربعِ موطّئةٌ للقسم، وجوابُه سادٌّ مسدَّ جوابِ الشرط.

{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } على ما أصابهم من الضراء سابقاً أو لاحقاً إيماناً بالله واستسلاماً لقضائه { وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ } شكراً على آلائه السالفةِ والآنفةِ، واللامُ في الإنسان إما لاستغراق الجنسِ فالاستثناءُ متصلٌ أو للعهد فمُنقطعٌ { أُوْلَـٰئِكَ } إشارةٌ إلى الموصول باعتبار اتّصافِه بما في حيز الصلة، وما فيه من معنى البُعد للإيذان بعلوّ درجتِهم وبُعدِ منزلِتهم في الفضل أي أولئك الموصوفون بتلك الصفاتِ الحميدة { لَهُم مَّغْفِرَةٌ } عظيمةٌ لذنوبهم وإن جمّت { وَأَجْرٌ } ثوابٌ لأعمالهم الحسنة { كَبِيرٌ } ووجهُ تعلّقِ الآياتِ الثلاثِ بما قبلهن من حيث إن إذاقةَ النَّعماءِ ومِساسَ الضّراءِ فصلٌ من باب الابتلاءِ واقعٌ موقعَ التفصيلِ من الإجمال الواقعِ في قوله تعالى: { { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } [هود: 7, الملك: 2] والمعنى أن كلاًّ من إذاقة النَّعماءِ ونزعِها مع كونه ابتلاءً للإنسان أيشكُر أم يكفُر لا يهتدي إلى سنن الصواب بل يحَيد في كلتا الحالتين عنه إلى مهاوي الضلالِ فلا يَظهرُ منه حسنُ عملٍ إلا من الصابرين الصالحين أو من حيث إن إنكارَهم بالبعث واستهزاءَهم بالعذاب بسبب بطرِهم وفخرِهم كأنه قيل: إنما فعلوا ما فعلوا لأن طبـيعةَ الإنسانِ مجبولةٌ على ذلك.