التفاسير

< >
عرض

وَيٰقَوْمِ هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ
٦٤
فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ
٦٥
-هود

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَيَا قَومِ هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ } الإضافةُ للتشريف والتنبـيهِ على أنها مفارقةٌ لسائر ما يجانسها من حيث الخِلْقةُ ومن حيث الخلق { لَكُم آية } معجزةً دالّةً على صدق نبوّتي وهي حالٌ من ناقةُ الله والعاملُ ما في هذه من معنى الفعلِ ولكم حالٌ من آيةً متقدمةٌ عليها لكونها نكرةً، ولو تأخرت لكانت صفةً لها ويجوز أن يكون ناقةُ الله بدلاً من هذه أو عطفَ بـيان ولكم خبراً وعاملاً في آية { فَذَرُوهَا } خلّوها وشأنَها { تَأْكُلْ فِى أَرْضِ ٱللَّهِ } ترعىٰ نباتَها وتشرب ماءَها، وإضافةُ الأرضِ إلى الله تعالى لتربـية استحقاقِها لذلك وتعليلِ الأمرِ بتركها وشأنَها { وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوء } بولغ في النهي عن التعرّض لها بما يضرها حيث نُهيَ عن المس الذي هو من مبادىء الإصابةِ ونُكر السوءِ أي لا تضرِبوها ولا تطرُدوها ولا تقرَبوها بشيء من السوء فضلاً عن عَقرها وقتلِها { فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ } أي قريبُ النزول. ورُوي أنهم طلبوا منه أن يُخرج من صخرة تسمّى الكائبةَ ناقةً عُشَراءَ مخترِجةً جوفاءَ وبَراءً، وقالوا: إن فعلتَ ذلك صدقناك فأخذ صالحٌ عليه الصلاة والسلام عليهم مواثيقَهم: لئن فعلتُ ذلك لتؤمِنُنّ؟ فقالوا: نعم، فصلى ودعا ربَّه فتمخَّضت الصخرةُ تمخّضَ النَّتوجِ بولدها فانصدعت عن ناقة عُشراءَ كما وصفوا وهم ينظُرون ثم أنتجت ولداً مثلَها في العِظَم فآمن به جُندُعُ بنُ عمْروٍ في جماعة، ومَنَع الباقين من الإيمان دوأبُ بنُ عمرو والحُبابُ صاحبُ أوثانهم وربابُ كاهنُهم فمكثت الناقةُ مع ولدها ترعىٰ الشجرَ وتردُ الماءَ غِبًّا فما ترفع رأسَها من البئر حتى تشربَ كلَّ ما فيها ثم تتفحّج فيحلُبون ما شاءوا حتى تمتلىء أوانيهم فيشربون ويدّخرون وكانت تصيِّف بظهر الوادي فتهرُب منها أنعامُهم إلى بطنه وتشتو ببطنه فتهرب مواشيهم إلى ظهره فشق عليهم ذلك.

{ فَعَقَرُوهَا } قيل: زَيَّنت عقرَها لهم عُنيزةُ أمُّ غَنَم وصدَقةُ بنتُ المختارِ فعقروها واقتسموا لحمها فرقِيَ سَقْبُها جبلاً اسمه قارة فرَغاً ثلاثاً، فقال صالح لهم: أدرِكوا الفصيلَ عسى أن يرفعَ عنكم العذاب فلم يقدِروا عليه وانفجرت الصخرةُ بعد رغائِه فدخلها { فَقَالَ } لهم صالح { تَمَتَّعُواْ } أي عيشوا { فِى دَارِكُمْ } أي في منازلكم أو في الدنيا { ثَلَـٰثَةَ أَيَّامٍ } قيل: قال لهم: تصبح وجوهُكم غداً مصفرّةً وبعد غدٍ مُحمرَّةً واليومَ الثالثَ مُسودةً ثم يصبّحكم العذابُ { ذٰلِكَ } إشارةٌ إلى ما يدل عليه الأمرُ بالتمتع ثلاثةَ أيامٍ من نزول العذاب عَقيبَها، والمرادُ بما فيه من معنى البُعد تفخيمُه { وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } أي غيرُ مكذوبٍ فيه فخُذف الجارُّ للاتساع المشهور كقوله:

ويومٍ شهِدناه سليماً وعامراً[قليلٍ سوى الطعن النّهالِ نوافِلُهْ

أو غيرُ مكذوب، كأن الواعدَ قال له: أفي بك فإن وفىٰ به صدّقه وإلا كذّبه، أو وعدٌ غيرُ كذِبٍ على أنه مصدرٌ كالمجلود والمعقول.