التفاسير

< >
عرض

إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ
١
وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً
٢
-النصر

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

مدنية وآيُها ثلاث

{ إِذَا جَاء نَصْرُ ٱللَّهِ } أيْ إعانتُهُ تعالَى وإظهارُهُ إياكَ على عدوكَ { وَٱلْفَتْحُ } أيْ فتحُ مكةَ وقيلَ: جنسُ نصرِ الله تعالَى ومطلقُ الفتحِ فإنَّ فتحَ مكةَ لمَّا كانَ مِفْتاحَ الفتوحِ ومناطَهَا كمَا أنَّ نفسَها أمُّ القُرَى وإمامُها جُعلَ مجيئُهُ بمنزلةِ مجيءِ سائرِ الفتوحِ وعلقَ بهِ أمرَهُ عليهِ السلامُ بالتسبـيحِ والحمدِ والتعبـيرُ عنْ حصولِ النصرِ والفتحِ بالمجيءِ للإيذانِ بأنهُمَا متوجهانِ نحوَهُ عليهِ السلامُ وأنهُمَا على جناحِ الوصولِ إليهِ عليهِ السلامُ عن قريبٍ. رُوي أنها نزلتْ قبلَ الفتحِ وعليهِ الأكثرُ. وقيلَ: في أيامِ التشريقِ بمِنًى في حجةِ الوداعِ، فكلمةُ إذَا حينئذٍ باعتبارِ أنَّ بعضَ مَا في حيزِهَا أَعْنِي رؤيةَ دخولِ الناسِ الخ، غيرُ منقضٍ بعدُ وكانَ فتحُ مكةَ لعشرٍ مضينَ من شهرِ رمضانَ سنة ثمانٍ ومعَ النبـيِّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ عشرةُ آلافٍ منَ المهاجرينَ والأنصارِ وطوائفِ العربِ وأقامَ بهَا خمس عشرَةَ ليلةً وحينَ دخلَها وقفَ على بابِ الكعبةِ ثمَّ قالَ: "لاَ إلٰه إلا الله وَحْدَهُ لاَ شريكَ لَهُ صدقَ وعدَهُ ونصرَ عبدَهُ وهزمَ الأحزابَ وحدَهُ. ثمَّ قالَ: يا أهلَ مكةَ ما ترونَ أني فاعلٌ بكُم؟ قالُوا: خيراً أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ، قالَ: اذهبُوا فأنتُمْ الطلقاءُ" فأعتقهُمْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وقدْ كانَ الله تعالَى أمكنَهُ من رقابِهم عنوةً وكانُوا له فياءً ولذلكَ سميَ أهلُ مكةَ الطلقاءَ ثمَّ بايعُوه على الإسلام ثمَّ خرجَ إلى هوازنَ { وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ } أيْ أبصرتهُمْ أو علمتهُمْ { يَدْخُلُونَ فِى دِينِ ٱللَّهِ } أيْ ملةُ الإسلامِ التي لا دينَ يضافُ إليهِ تعالَى غيرُهَا والجملةُ على الأولِ حالٌ من الناسِ وعلى الثاني مفعولٌ ثانٍ لرأيتَ وقولُه تعالَى: { أَفْوَاجاً } حالٌ من فاعلِ يدخلونَ أيْ يدخلونَ فيهِ جماعاتٍ كثيفةً كأهلِ مكةَ والطائفِ واليمنِ وهوازنَ وسائرِ قبائلِ العربِ وكانُوا قبلَ ذلكَ يدخلونَ فيهِ واحِداً واحِداً واثنينِ اثنينِ. رُويَ أنَّه عليهِ السلامُ لما فتحَ مكةَ أقبلتِ العربُ بعضُها على بعضٍ فقالوا: إذَا ظفِرَ بأهلِ الحرمِ فلنْ يقاومَهُ أحدٌ وقدْ كانَ الله تعالَى أجارَهُم من أصحابِ الفيلِ ومن كُلِّ من أرادهُم فكانُوا يدخلونَ في دينِ الإسلامِ أفواجاً من غيرِ قتالٍ وقرىءَ فتحُ الله والنصرُ وقُرِىءَ يُدخلونَ على البناءِ للمفعولِ.