التفاسير

< >
عرض

قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ
١
ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ
٢
لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ
٣
وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ
٤
-الاخلاص

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

مختلف فيها، وآيُها أربع

{ قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } الضميرُ للشأنِ ومدارُ وضعِهِ وموضِعِهِ معَ عدمِ سبقِ ذكرِه الإيذانُ بأنَّه منَ الشهرةِ والنباهةِ بحيثُ يستحضرُهُ كلُّ أحدٍ وإليهِ يشيرُ كُلُّ مشيرٍ وإليهِ يعودُ كلُّ ضميرٍ كما ينبىءُ عَنْهُ اسمُهُ الذي أصلُهُ القصدُ أطلقَ عَلى المفعولِ مبالغةً ومحلُّه الرفعُ عَلى الابتداءِ خبرُهُ الجملةُ بعدَهُ ولا حاجةَ إلى الربطِ لأَنَّها عينُ الشأنِ الذي عبرَ عَنْهُ بالضميرِ والسرُّ في تصديرِ الجملةِ بهِ التنبـيهُ منْ أولِ الأمرِ عَلى فخامةِ مضمونِهَا وجلالةِ حيزِهَا معَ مَا فيهِ منْ زيادةِ تحقيقٍ وتقريرٍ فإنَّ الضميرَ لا يُفهمُ من أولِ الأمرِ إلا شأنٌ مبهمٌ لهُ خطرٌ جليلٌ فيبقى الذهنُ مترقباً لما أمامَهُ مما يفسرُهُ ويزيلُ إبهامَهُ فيتمكنُ عندَ ورودِهِ لَهُ فضلُ تمكنٍ، وهمزةُ أحدٍ مُبدلةٌ منْ الواوِ وأصلُهُ وَحَدٌ لاَ كهمزةِ ما يلازمُ النفيَ ويرادُ بهِ العمومُ كمَا في قولِهِ تعالَى: { { فَمَا مِنكُم مّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَـٰجِزِينَ } [سورة الحاقة، الآية 47] ومَا في قولِهِ عليهِ السلامُ "ما أحلتْ الغنائمُ لأحدٍ سودِ الرؤوسِ غيرِكُم" فإنَّها أصليةٌ وقالَ مكيٌّ: أصلُ أحدٍ واحدٌ فأبدلتْ الواوُ همزةً فاجتمعَ ألفانِ لأنَّ الهمزةَ تشبهُ الألفَ فحذفتْ إحداهُمَا تخفيفاً. وقالَ ثعلبٌ: إنَّ أحدٌ لا يُبنى عليهِ العددُ ابتداءً فلا يقالُ أحدٌ واثنانِ كَما يقالُ واحدٌ واثنانِ ولا يقالُ رجلٌ أحدٌ كما يقالُ رجلٌ واحدٌ ولذلكَ اختصَّ بهِ تعالَى أوْ هُوَ لما سئِلَ عَنْهُ أيِ الذي سألتُم عنْهُ هُو الله إذ رُوِيَ أنَّ قريشاً قالُوا صِفْ لَنَا ربكَ الذي تدعونَا إليهِ وانسُبْهُ فنزلتْ فالضميرُ مبتدأٌ والله خبرُهُ وأحدٌ بدلٌ منْهُ أو خبرٌ ثانٍ أو خبرُه مبتدأٍ محذوفٍ وقُرِىءَ هُوَ الله أحدٌ بغيرِ قُلْ وقُرِىءٍ الله أحدٌ بغيرِ قُلْ هُوَ وقُرِىءَ قُلْ هُوَ الواحدُ وقولُهُ تعالَى: { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } مبتدأٌ وخبر والصمدُ فَعَلٌ بمَعْنَى مفعولٍ مَنْ يُصمدُ إليهِ إذَا قَصَدَهُ أيْ هُوَ السيدُ المصمودُ إليهِ في الحوائجِ المُسْتغنى بذاتِهِ وَكُلَّ ما عداهُ محتاجٌ إليهِ في جميعِ جهاتِهِ وقيلَ الصمدُ الدائمُ الباقِي الذي لَمْ يزلْ وَلاَ يزالُ وقيلَ الذي يفعلُ مَا يشاءُ ويَحكمُ مَا يريدُ وتعريفُهُ لعلمِهِم بصمديتِهِ بخلافِ أحديَتِهِ وتكريرُ الإسمِ الجليلِ للإشعارِ بأنَّ منْ لم يتصفْ بذلكَ فهوَ بمعزلٍ منَ استحقاقِ الألوهيةِ وتعريةُ الجملةِ عنِ العاطفِ لأنَّها كالنتيجةِ للأولى بـيَّنَ أولاً ألوهيَتَهُ عزَّ وجلَّ المستتبعةَ لكافةِ نعوتِ الكمالِ ثمَّ أحديتَهُ الموجبةَ تنزهَّهُ عنْ شائبةِ التعددِ والتركيبِ بوجهٍ منَ الوجوهِ وتوهمِ المشاركةِ في الحقيقةِ وخواصِّهَا ثُمَّ صمديتَهُ المقتضيةَ لاستغنائِهِ الذاتِيِّ عَمَّا سواهُ وافتقارِ جميعِ المخلوقاتِ إليهِ في وجودِهَا وبقائِهَا وسائرِ أحوالِهَا تحقيقاً للحقِّ وإرشاداً لهُم إلى سنتِهِ الواضحِ ثُمَّ صرحَ ببعضِ أحكامٍ جزئيةٍ مندرجةٍ تحتَ الأحكامِ السابقةِ فقيلَ { لَمْ يَلِدْ } تنصيصاً على إبطالِ زعمِ المفترينَ في حقِّ الملائكةِ والمسيحِ ولذلكَ وردَ النفيُ على صيغةِ الماضِي أيْ لَمْ يصدُرْ عنْهُ ولدٌ لأنَّهُ لا يجانسُهُ شيءٌ ليمكنَ أنْ يكونَ لهُ من جنسِهِ صاحبةٌ فيتوالدَ كما نطقَ بهِ قولُهُ تعالَى: { { أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَـٰحِبَةٌ } [سورة الأنعام، 101] ولا يفتقرُ إلى ما يعينُهُ أو يخلفُهُ لاستحالةِ الحاجةِ والفناءِ عليهِ سبحانَهُ { وَلَمْ يُولَدْ } أيْ لمْ يصدُرْ عنْهُ شيءٌ لاستحالةِ نسبةِ العدمِ سابقاً ولاحقاً والتصريحُ بهِ معَ كونِهِم معرفينَ بمضمونِهِ لتقريرِ ما قبلَهُ وتحقيقه بالإشارةِ إلى أنَّهما متلازمانِ إذِ المعهودُ أنَّ ما يلدُ يولدُ ومَا لاَ فَلاَ ومنْ قضيةِ الاعترافِ بأنَّهُ لا يلدُ فهو قريبٌ منْ عطفِ لا يستقدمونَ عَلَى لا يستأخرونَ كمَا مرَّ تحقيقُهُ. { وَلَم يَكُنْ لَّهُ كفوا أَحَدٌ } أيْ لم يكافئهُ أحدٌ ولَمْ يماثلهُ ولَمْ يشاكلهُ من صاحبةٍ وَغيرِهَا ولَهُ صِلةٌ لكفؤٍ قدمتْ عليهِ معَ أنَّ حَقَّهَا التأخرُ عَنْهُ للاهتمامِ بِهَا لأنَّ المقصودَ نفيُ المكافأةِ عنْ ذاتِهِ تعالَى وقدْ جوزَ أنْ يكونَ خبراً لا صلةَ ويكونَ كُفؤاً حالاً من أحدٍ وليسَ بذاكَ وأما تأخيرُ اسمِ كانَ فلمراعاةِ الفواصلِ ووجهُ الوصلِ بـينَ هذهِ الجملِ غنيٌّ عن البـيانِ وقُرِىءَ بضمِّ الكافِ والفاءِ معَ تسهيلِ الهمزةِ وبضمِّ الكافِ وَكسرِهَا معَ سُكُونِ الفاءِ هَذا ولانطواءِ السورةِ الكريمةِ معَ تقاربِ قُطْريها عَلى أشتاتِ المعارفِ الإلهيةِ والردِّ عَلى منْ ألحَدَ فيهَا وردَ في الحديثِ النبويِّ أنَّها تعدلُ ثلثَ القرآنِ فإنَّ مقاصدَهُ منحصرةٌ في بـيانِ العقائدِ والأحكامِ والقصصِ ومَنْ عَدَلَها لكلمةٍ اعتبرَ المقصودَ بالذاتِ منْهُ. رُوِيَ عن النبـيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّهُ قالَ: "أسستِ السمواتُ السبعُ والأرضونَ السبعُ عَلى قُلْ هُو الله أحدٌ" أيْ ما خلقتْ إلا لتكونَ دلائلَ عَلَى توحيدِ الله تعالَى ومعرفةِ صفاتِهِ التي نطقتْ بها هذِه السورةُ. "وعنهُ عليهِ السَّلامُ أنه سمعَ رجلاً يقرأُ قُل هُو الله أحدٌ فقالَ وجبتْ فقيلَ ما وجبتْ يا رسولَ الله قالَ وجبتْ لَهُ الجنةُ" .