التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ
٥٤
قَالَ ٱجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ
٥٥
-يوسف

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِى بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ } أجعله خالصاً { لِنَفْسِى } وخاصاً بـي { فَلَمَّا كَلَّمَهُ } أي فأتَوا به، فحُذف للإيذان بسرعة الإتيانِ به فكأنه لم يكن بـين الأمرِ بإحضاره والخطابِ معه زمانٌ أصلاً، والضميرُ المستكنُّ في (كلّمه) ليوسف، والبارزُ للملك أي فلما كلّمه يوسفُ إثرَ ما أتاه فاستنطقه وشاهد منه ما شاهد { قَالَ إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ } ذو مكانةٍ ومنزلةٍ رفيعة { أَمِينٌ } مؤتمنٌ على كل شيء، (واليومَ) ليس بمعيار لمدة المكانةِ والأمانةِ بل هو آنُ التكلم والمرادُ تحديد مبدئهما احترازاً عن احتمال كونِهما بعد حين. روي أنه عليه السلام لما جاءه الرسولُ خرج من السجن ودعا لأهله واغتسل ولبِس ثياباً جُدُداً فلما دخل على الملك قال: «اللهم إني أسألك بخيرك من خيره، وأعوذ بعزتك وقدرتِك من شرّه وشرِّ غيره» ثم سلم عليه ودعا له بالعبرانية فقال: ما هذا اللسانُ؟ قال: لسانُ آبائي، وكان الملك يعرف سبعين لساناً فكلّمه بها فأجابه بجميعها فتعجّب منه فقال: أحب أن أسمعَ منك رؤياي فحكاها ونعت له البقراتِ والسنابلَ وأماكنَها على ما رآها فأجلسه على السرير وفوّض إليه أمرَه، وقيل: توفي قطفيرُ في تلك الليالي فنصّبه منصِبه وزوجه راعيل فوجدها عذراءَ وولدت له إفرايـيم وميشا ولعل ذلك إنما كان بعد تعيـينِه عليه السلام لِما عُيّن له من أمر الخزائنِ كما يعرب عنه قوله عز وجل: { قَالَ ٱجْعَلْنِى عَلَىٰ خَزَائِنِ ٱلأَرْضِ } أي أرض مصرَ أي ولِّني أمرَها من الإيراد والصرف { إِنّى حَفِيظٌ } لها ممن لا يستحقها { عَلِيمٌ } بوجوه التصرّفِ فيها، وفيه دليل على جواز طلبِ الولايةِ إذا كان الطالبُ ممن يقدر على إقامة العدلِ وإجراءِ أحكامِ الشريعة وإن كان من يد الجائرِ أو الكافر.

وعن مجاهد أنه أسلم الملكُ على يده عليه السلام، ولعل إيثارَه عليه السلام لتلك الولايةِ خاصة إنما كان للقيام بما هو أهمُّ أمورِ السلطنة إن ذاك من تدبـير أمرِ السنين حسبما فُصل في التأويل لكونه من فروع تلك الولايةِ لا لمجرد عمومِ الفائدة كما قيل، وإنما لم يُذكر إجابةُ الملكِ إلى ما سأله عليه السلام من جعله على خزائن الأرضِ إيذاناً بأن ذلك أمرٌ لا مردَّ له غنيٌّ عن التصريح به لا سيما بعد تقديمِ ما يندرج تحته من أحكام السلطنةِ بحذافيرها من قوله: إنك اليوم لدينا مكين أمين للتنبه على أن كلَّ ذلك من الله عز وجل وإنما الملكُ آلة في ذلك كما قيل.