التفاسير

< >
عرض

قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَيُنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ
٣١
-إبراهيم

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ قُل لّعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } خصهم بالإضافة إليه تنويهاً لهم وتنبـيهاً على أنهم المقيمون لوظائفِ العبودية الموفون بحقوقها، وتركُ العاطف بـين الأمرين للإيذان بتباين حالِهما باعتبار المقول تهديداً وتشريفاً، والمقولُ هٰهنا محذوفٌ دل عليه الجوابُ أي قل لهم أقيموا وأنفقوا { يُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَيُنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ } أي يداوموا على ذلك، وفيه إيذانٌ بكمال مطاوعتِهم الرسولَ صلى الله عليه وسلم وغايةِ مسارعتِهم إلى الامتثال بأوامره، وقد جوّزوا أن يكون المقولُ يقيموا وينفقوا بحذف لام الأمرِ عنهما، وإنما حسُن ذلك دون الحذف في قوله

محمدُ تَفدِ نفسَك كلُّ نفسإذا ما خِفْتَ من أمر تَبالا

لدلالة قل عليه، وقيل: هما جوابا أقيموا وأنفقوا قد أقيما مُقامهما وليس بذاك { سِرّا وَعَلاَنِيَةً } منتصبان على المصدرية من الأمر المقدرِ لا من جواب الأمر المذكور أي أنفقوا إنفاق سرَ وعلانية، والأحبُّ في الإنفاق إخفاءُ المتطوَّع به وإعلانُ الواجب، والمرادُ حث المؤمنين على الشكر لنعم الله سبحانه بالعبادة البدنية والماليةِ وتركِ التمتعِ بمتاع الدنيا والركونِ إليها كما هو صنيعُ الكفرة { مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ } فيبتاعَ المقصِّر ما يتلافىٰ به تقصيرَه أو يفتدي به نفسَه، والمقصودُ نفيُ عقدِ المعارضة بالمرة، وتخصيصُ البـيعِ بالذكر للإيجاز مع المبالغة في نفي العقدِ إذ انتفاءُ البـيع يستلزم انتفاءَ الشراء على أبلغ وجهٍ، وانتفاؤُه ربما يتصور مع تحقق الإيجابِ من قبل البائع { وَلاَ خِلَـٰلٌ } ولا مخالّةٌ فيشفعَ له خليلٌ أو يسامحَه بمال يفتدي به نفسه أو من قبل أن يأتي يومٌ لا أثرَ فيه لما لهَجوا بتعاطيه من البـيع والمخالّة ولا انتفاعَ بذلك، وإنما الانتفاعُ والارتفاقُ فيه بالإنفاق لوجه الله سبحانه، والظاهرُ أن من متعلقة بأنفِقوا وتذكيرُ إتيانِ ذلك اليوم لتأكيد مضمونِه كما في سورة البقرة من حيث إن كلاًّ من فقدان الشفاعةِ وما يُتدارك به التقصير معاوضةً وتبرعاً، وانقطاعُ آثار البـيع والخِلالِ الواقعَيْن في الدنيا وعدمُ الانتفاع بهما من أقوى الدواعي إلى الإتيان بما تبقىٰ عوائدُه وتدوم فوائدُه من الإنفاق في سبـيل الله عز وجل، أو من حيث أن ادخارَ المال وتركَ إنفاقِه إنما يقع غالباً للتجارات والمُهاداة فحيث لا يمكن ذلك في الآخرة فلا وجهَ لادّخاره إلى وقت الموت، وتخصيصُ التأكيد بذلك لميل الطباعِ إلى المال وكونها مجبولةً على حبه والضَّنةِ به، ولا يبعُد أن يكون تأكيداً لمضمون الأمرِ بإقامة الصلاة أيضاً من حيث إن تركَها كثيراً ما يكون بالاشتغال بالبـياعات والمُخالاّت كما في قوله تعالى: { { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَـٰرَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّواْ إِلَيْهَا } [الجمعة: 11] وقرىء بالفتح فيهما على إرادة النفي العام ودَلالةِ الرفعِ على ذلك باعتبار خطابـيٍّ هو وقوعُه في جواب هل فيه بـيعٌ أو خلال؟