التفاسير

< >
عرض

لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ
١٣
وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ ٱلسَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ
١٤
لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ
١٥
وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي ٱلسَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ
١٦
وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ
١٧
-الحجر

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } أي بالذكر، حالٌ من ضمير نسلكه أي غيرَ مؤمَنٍ به، أو بـيانٌ للجملة السابقة فلا محل لها، وقد جُعل الضميرُ للاستهزاء فيتعين البـيانيةُ إلا أن يُجعل الضميرُ المجرورُ أيضاً له، على أن الباء للملابسة أي نسلك الاستهزاءَ في قلوبهم حالَ كونِهم غيرَ مؤمنين بملابسته، والحالُ إما مقدّرةٌ أو مقارنة للإيذان بأن كفرَهم مقارِنٌ للإلقاء كما في قوله تعالى: { { فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ } [البقرة الآية 89] { وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ } أي قد مضت طريقتهم التي سنها الله تعالى في إهلاكهم حين فعلوا ما فعلوا من التكذيب والاستهزاءِ، وهو استئنافٌ جيء به تكملةً للتسلية وتصريحاً بالوعيد والتهديد.

{ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم } أي على هؤلاء المقترِحين المعاندين { بَاباً مِنَ ٱلسَّمَاء } أي باباً ما، لا باباً من أبوابها المعهودة كما قيل، ويسرنا لهم الرُّقيَّ والصعودَ إليه { فَظَلُّواْ فِيهِ } في ذلك الباب { يَعْرُجُونَ } بآلة أو بغيرها ويرون ما فيها من العجائب عِياناً كما يفيده الظلول، أو فظل الملائكةُ الذين اقترحوا إتيانَهم يعرُجون في ذلك الباب وهم يرَونه عياناً مستوضحين طولَ نهارهم.

{ لَقَالُواْ } لفرط عنادِهم وغلوِّهم في المكابرة وتفاديهم عن قَبول الحق { إِنَّمَا سُكّرَتْ أَبْصَـٰرُنَا } أي سُدّت من الإحساس من السُكر كما يدل عليه القراءةُ بالتخفيف، أو حُيِّرت كما يعضُده قراءة من قرأ سكرت أي حارت.

{ بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ } قد سحَرنا محمد صلى الله عليه وسلم كما قالوه عند ظهورِ سائرِ الآياتِ الباهرة، وفي كلمتي الحصر والإضراب دلالةٌ على أنهم يبتون القولَ بذلك، وأن ما يرَونه لا حقيقةَ له وإنما هو أمر خُيِّل إليهم بالسحر، وفي اسميةِ الجملة الثانيةِ دَلالةٌ على دوام مضمونِها، وإيرادُها بعد تسكير الأبصارِ لبـيان إنكارِهم لغير ما يرونه بعيونهم، فإن عروجَ كل منهم إلى السماء وإن كان مرئياً لغيره فهو معلوم بطريق الوجدانِ مع قطع النظرِ عن الأبصار، فهم يدعون أن ذلك نوعٌ آخرُ من السحر غيرُ تسكير الأبصار.

{ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِى ٱلسَّمَاء بُرُوجًا } قصوراً ينزلها السيارات، وهي البروجُ الاثنا عشر المشهورةُ المختلفةُ الهيئاتِ والخواصِّ حسبما يدل عليه الرصْدُ والتجرِبة مع ما اتفق عليه الجمهور من بساطة السماء، والجعلُ إن جُعل بمعنى الخلق والإبداعِ ـ وهو الظاهرُ ـ فالجار متعلقٌ به، وإن جعل بمعنى التصيـيرِ فهو مفعولٌ ثانٍ له متعلقٌ بمحذوف أي جعلنا بروجاً كائنة في السماء { وَزَيَّنَّـٰهَا } أي السماء بتلك البروجِ المختلفةِ الأشكال والكواكب سياراتٍ كانت أو ثوابتَ { لِلنَّـٰظِرِينَ } إليها، فمعنى التزيـينِ ظاهرٌ، أو للمتفكرين المعتبرين المستدلين بذلك على قدرة مقدّرها وحكمةِ مدبرّها، فتزيـينُها بترتيبها على نظام بديع مستتبعٍ للآثار الحسنة.

{ وَحَفِظْنَـٰهَا مِن كُلّ شَيْطَـٰنٍ رَّجِيمٍ } مَرْميَ بالنجوم فلا يقدر أن يصعَدَ إليها ويوسوسَ في أهلها ويتصرّفَ فيها ويقفَ على أحوالها.